آن لنا التخلص من مقولة "نحن أمة لا نقرأ" والتي أصبحت كجلد "النمر" مهما حاولت غسله بمياه المحيطات فلن تفلح، ما زالت هذه التهمة الصادمة تتعقبنا وتطاردنا كـ"سعلاة الليل" المتوهمة، وكأن هذه الأمة تحولت إلى مستودع للفراغ المعرفي و"الجهلنة"، والإعضال العقلي، يقول المفكر الفرنسي فولتير: "الذين يعرفون كيف يقرؤون، هم الذين سيقودون الجنس البشري مستقبلا"، إن مقولة "أمة لا تقرأ"، توصيف ماكر، واستقراء مشبوه "ونوايا مبيتة، هدفها توريط العقل "العربي"، وحشره في زاوية الكسل، والدونية والضحالة، والانقطاع عن وعي الذات، وضرب التواصل مع محاضن التكوين العقلي والحضاري، والحيلولة دون زحفه وانتزاعه لدوره المتميز الذي يليق به، كفاعل ومتفاعل مع حركة التاريخ ودينامية الزمن. هناك الكثير من المقولات الأزلية المكتسبة التي مارست سلطتها الظرفية وعلقت واستقرت في الأذهان، وتحولت إلى جوامد يصعب تفكيكها، ومضامين مسمومة، تكيف العقل الجمعي معها، ورزح تحت وطأتها، حتى أصبح من الصعوبة تخليصها من ذلك الانتهاب المبرمج، والاستلاب المريع، نحن لا ننكر أن فعل "القراءة" وحضور الكتاب، وممارسة الفكر المعقلن في عالمنا العربي مرت بمراحل من الاختلال والتصدع والقصور المعطل لتلك الأدوار، والارتقاء بها إلى مستوى التعاطي مع حركة الحياة، وصياغة ووعي الأمة، ولكننا اليوم نشهد هذا الحضور الإيجابي المثمر، والاستقطاب التنويري الفائض لتلك البواعث، عبر التساكن مع كوامنها ومواطنها في البيت والمدرسة والجامعة ومعارض الكتاب، والمكتبات العامة والمؤسسات الثقافية والصحفية، والمنتديات الأهلية، وحركة الترجمة، وغيرها من وسائل التمدد الطبيعي المنفتحة على الكتاب ووظيفته، وإسهامه في رفع منسوب الناتج العقلي للأمة، ودورها في تنويع أنماط التفكير، ومحركات التجديد، والاشتباك مع معمار الشراكة العقلية "إغناء واغتناء"، واحتفاء بنواتج التقدم، والتحولات النهضوية الحضارية، وها هي "جدة" سيدة البحر، وإشراقة الشمس، تقدم كعادتها مفتاحا من مفاتيح الولوج إلى بهو الازدهار الثقافي، والتمايز الفكري، والوعي المستفيق، والاتصال مع المشهد "تحركا وتحريكا" ومواءمة مع حضورها الجمالي كمدينة راقية مثقفة، وذاكرة يقظة ومستضاءة، فهي لم تستسلم لمقولة "موت الكتاب" وتغول التكنولوجيا وطغيان ميديا العصر وانشغالاته، ولكنها تصر على أننا أمة تقرأ، بعد أن فتحنا مغاليق وأحجية تلك المقولة البائسة، والمشحونة بالإسقاطات والروادع التدميرية، من خلال ناتجها الدلالي، وباطنها المسعور، وغلافها المعوق، شكرا للأمير المثقف "خالد الفيصل" فأينما حلّ تحل الثقافة المشعة، والهوية المقتدرة، والقيم الجمالية،وإثبات الذات.