حين تسأل محمد جورج عن السر وراء حمله هذا الاسم، وهو المسيحي الأردني، يختصر حكايته قائلا، إن الوالدة نذرت إن جاءها ولد بعد طول عقم، أن تسميه محمدا، وهكذا كان!

وتختزن الذاكرة الجمعية في بلاد الشام عشرات القصص المشابهة، ولا يخفي محمد افتخاره بحمل هذا الاسم، ويقول لك، مستدعيا واقعة شهيرة، يحفظها الشاميون جيدا. وهي حكاية المفكر والسياسي الشامي الشهير، فارس الخوري (المسيحي البروتستانتي)، الذي رد على إعلان الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق، بأن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة، وصعد إلى منبره، وقال: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا المسيحي من هذا المنبر أشهد "أن لا إله إلا الله".

ويقبل عليه مصلّو الجامع الأموي، ويحملونه على الأكتاف، ويطوفون به أحياء دمشق القديمة، في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلا، حيث خرج أهالي دمشق المسيحيون يومها في تظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون "لا إله إلا الله"!


الافتراق في المقابر

على الرغم من وجود نظامين قضائيين في الأحوال الشخصية لكل من المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام، إلا أنه يتفق أبناء بلاد الشام في حياتهم الدنيا على عادات وتقاليد واحدة، ولا يفرقهم سوى الموت، حيث يقبر المسلمون في مقابر خاصة بهم، وكذا المسيحيون! ويرى كثير من المؤرخين أن سبب التعايش الإسلامي المسيحي المعاصر في بلاد الشام يعود فيما يعود إليه، إلى نظام الملل العثماني، الذي كان موجودًا في الدولة منذ فتح القسطنطينية عام 1453.

فهو حسب رأي المستشرق الألماني كارل بروكلمان قد كفل للمسيحيين، بعد تقسيمهم حسب الطوائف إلى ملل، كامل الحرية الدينية والمدنية، خصوصًا مع التعديلات اللاحقة خلال فترات إصلاح الدولة.

وهذا هو ما أسس لحالة من الشعور بالمواطنة المتساوية بين المسلمين والمسيحيين في البلاد الشامية، التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية، قبل أن تمزق أوصالها اتفاقات سايكس بيكو، وما تلاها من اتفاقات فرضها الاستعمار الحديث.


مفتاح كنيسة القيامة

تفخر كثير من العشائر المسيحية في بلاد الشام أن دماء أبنائها اختلطت بدماء المسلمين، إبان الغزو الصليبي، حيث انحاز المسيحيون العرب إلى إخوتهم المسلمين للدفاع عن بلادهم ضد الغزو الصليبي. حتى إن عائلة جودة المقدسية المسلمة، تسلمت أمانة مفتاح كنيسة القيامة في عهد صلاح الدين الأيوبي عند فتحه للقدس عام 1187، وعهد "آل جودة" بصفتهم المؤتمنين على المفتاح إلى "آل نسيبة" المسلمين فتح وإغلاق بوابات الكنيسة، ثم إعادة المفاتيح إلى عهدة "آل جودة".

وقد تسلمت عائلة جودة في عهد الأتراك "فرمانا عثمانيا"، عام 1612، يقضي بانضمامها إلى عائلة نسيبة في الإشراف على الكنيسة المقدسة، وباشرت العائلة هذه المسؤولية فعليا عام 1624، حين انتقلت المفاتيح إلى حوزة عائلة جودة، بينما تولت عائلة نسيبة مسؤولية فتح وغلق أبواب الكنيسة، يوميا، من الساعة الرابعة فجرا حتى الثامنة مساء.





رمضان يجمع الطوائف

يقول أحد أبناء عائلة جودة، وهو الدكتور ساري جودة، إن مندوبا من عائلة جودة يأتي يوميا إلى باب الكنيسة، ليسلم بدوره مفاتيحها إلى مندوب عائلة نسيبة الذي يقوم بفتحها، ويعود في المساء كي يتسلم المفاتيح بعد إغلاقها، مشيرا إلى أن العائلة مسؤولة أيضا عن استقبال كبار الضيوف الذين لا ينقطعون عن زيارة الكنيسة على مدار العام! ولا تختلف هذه المفارقة عن تلك التي يعرفها سكان بلدة المكر/ قضاء مدينة عكا الفلسطينية، حيث يتولى الشاب الفلسطيني المسيحي ميشيل أيوب إيقاظهم لتناول طعام السحور في رمضان.