التصريح الذي ذكره القنصل التجاري ونائب القنصل العام لكوريا الجنوبية بجدة عندما حمّل الوكلاء والمستوردين بالمملكة مسؤولية رفع أسعار المنتجات الكورية في الأسواق السعودية، مبيناً –حسب عكاظ– أن الأسعار ارتفعت لثلاثة أضعاف أسعارها الحقيقية، في الوقت الذي ما زالت فيه الأسعار ثابتة في كوريا منذ بدء التصدير للمملكة! (علامة التعجب أضفتها أنا كعلامة احتجاج -لن يسمعه أحد- ولا علاقة للسيد يون هوكانغ بها)؛ هذا التصريح خبر جديد لكن تكراره أدخله في خانة الرتابة، وسلب منه دهشة جِدته، لم أشغل نفسي بقراءة ما وراء الخبر، فذهبت للنوم ليس احتجاجاً على الخبر فقط، بقدر ما كنت أحاول التخلص من فكرة لعينة كانت تسخر مني متسائلة عما لو كنّا دولة صناعية، هل سنجد من يحتج على كبح لجام الأسعار غير المروّضة؟
كنت أظن أن الخبر سينتهي بمجرد دخولي في النوم، لكن الأحداث أتت متسارعة، أسرع من مزاج الوكلاء والمستوردين لرفع الأسعار، فمن الدقيقة الأولى لدخولي برزخ الموتة الصغرى انهالت الأحداث بردة فعل لم أتوقعها عندما كنت من المتفائلين في الأرض، فوزارة التجارة كشّرت عن أنيابها -قال العارفون ببواطن الأمور إنها لم تكن مبتسمة- ولقنت الوكلاء والمستوردين درساً في عواقب الجشع، والهيئات والجمعيات المدنية، على رأسها جمعية حماية المستهلك، غضبت غضبة ألف رجل، ودخلت جميع الوزارات على الخط لإنصاف المستهلك، ولوحّت نزاهة بيدها، ليس للوداع، ولكن على طريقة (خلّوها) في فن (شعر المحاورة)، و(الحقوقيون الجدد) كان لهم موقف مشرّف، إذ تبرعوا بالبحث عن تكييف قانوني لرفع قضية على الوكلاء لاستعادة أموال المستهلكين التي حصل عليها الوكلاء دون وجه حق، والمواطن استعاد وعيه وتوقف عن الشراء من الوكلاء بعد أن اكتشف أن فارق السعر بين الوكيل وبين الشركة المصنعة يصل أحياناً 2000% (لو طلبت القطعة من المصنّع واشترطت أن يأتوا مع القطعة لتركيبها فستكون تكلفتها أقل من نصف سعر قطعة الغيار وحدها هنا).
تتداخل الأحداث سريعاً ويشعر المواطن بالنصر والاتفاق والاتحاد (وجميل كله)، ويدب الذعر في قلوب الوكلاء والمستوردين وتكسد بضاعتهم، فيبادرون لحيل التخفيضات الكبرى، لكن وعي المواطن وجرعة الثقة التي منحته إياها الجهات الرقابية جعلاه يقابل هذه الحيل بمزيدٍ من السخرية، إذ أمطر الوكلاء بإهدائهم أغنية (على مين تلعبها)، وإمعاناً في السخرية كانت الأغنية بصوت (شعبولا) وليست بصوت راشد الماجد!
في الصباح استيقظت وأنا كعادتي أحاول أن أخلع كوابيس الليل عن رأسي المثقل بكثير من الأشياء غير المهمة، ارتديت على عجل ملامح العمل التي تتصنع الجدية، مررت بجانب الوكيل المعتمد للصناعات الكورية في المدينة.. لسعات البرد تمخر وجهي قبل أن تحك ظهرها بالزجاج الخارجي للوكالة وتعود له مرة أُخرى، في داخل الوكالة عملاء كثيرون كالعادة، نظرات ساخرة يرميني بها موظفو الوكالة، نظرات لا تخلو من شفقة.. غادرت وأنا أُتمتم: (ليتك يا بو زيد ما صحيت)!