كنت ومازلت أرى أن ترتيب الأولويات في مسيرة النماء الوطني والاقتصاد المتعافي مطلب ملح لكل دولة على وجه الأرض، وبما أن فلسفة الاقتصاد بحر يغوص فيه أربابه عوضا عن هواته فسوف أتحدث عن مسلمات مسيرة النماء وفق توجه وزارة العمل، والتي ورد بعضها في تصريح وزيرها المخضرم الدكتور علي بن ناصر الغفيص، والتصريح حسب توضيح الوزارة يرى فيه الوزير ضرورة (الترشيد) إن صح التعبير في القبول لبعض الأقسام النظرية الأكاديمية في الجامعات مقابل رفع نسب القبول في التدريب التقني والمهني، وبتوازن كهذا فإن وزير العمل يرى أن التنمية والاستثمار في جانب التدريب على المهنة والتقنية سوف يخلق فرص عمل لشباب سعودي مؤهل، يرتبط تدريبه باحتياجات السوق وحاجة المواطن بشكل مباشر.
وللأمانة فإنني رأيت في توجه وزير العمل الجديد كثيرا من المنطقية التي تنبع من خلال محك رئيسي وهو خبرة الوزير، حيث عمل محافظا للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، ثم وزيرا لحقيبة العمل، وهما خبرتان مفصليتان في فهم طبيعة تعقيدات السوق واحتياجاته من الأيدي السعودية المدربة إضافة إلى تحديات التوظيف ونتائج الشراكات الإستراتيجية مع الحلفاء الدوليين، وتقييم كل ذلك في شكل خطة عمل للمرحلة المقبلة. المشورة التي ربما أسديها للوزير المتحمس - كما عرفناه - لضمان النتائج المطلوبة والمتوخاة تنطلق من عدة محاور، ألخصها كما يلي:
1/ إن المراهنة على إشباع سوق العمل وحده بالشباب السعودي دون التأكد التام من جاهزية التدريب التقني سيحدث ما يشبه الانفصام بين حليفين عملاقين، وعليه فإن وجود رغبة بين الطرفين لاستصدار قرارات تاريخية لإصلاح واستثمار وتطوير التدريب التقني وبشكل عاجل مطلب فوري. 2/ إن حدود التعاون بين وزارة العمل والجهات ذات العلاقة كهيئة توليد الوظائف والمجلس الاقتصادي والجامعات السعودية لابد أن ينطلق من خلال مجلس موحد يعمل بتناغم تحت ما يشبه خطة الإحلال وبتمثيل عالي المستوى، بحيث تكون توجيهات كل الشركاء ملزمة وفورية، بل إن مجرد التهاون في تفعيلها الآني يكون مدعاة للمحاسبة الصارمة.
3/ أرى أيضا أن يكون في بداية هذا العمل الممنهج تركيز على الجانب المهني أكثر من الجانب التقني، وذلك لأمرين: أولهما كثرة العمالة المهنية الوافدة من السباكين والنجارين وأعمال الحدادة والإنشاءات وغيرها كثير مقابل التقنيين كفنيي الحاسبات ومهندسي الإلكترونيات وغيرهما. والسبب الآخر أولوية المهني في سد احتياج كافة شرائح المجتمع الأساسية قبل التقنيين الذين يكون عملهم عادة تخصصيا بحتا يرتبط بالتكنولوجيا الحديثة أكثر من ارتباطه بالملامسة اليدوية الأساسية. 4/ أتمنى أيضا أن تكون هنالك خطة عمل للوزارة واضحة المعالم وشفافة التوجه، بمعنى أن نتنازل عن ترديد عبارات الآمال (بأن نحقق الأهداف) إلى لهجة إننا بحول الله سنحقق كذا وكذا بحلول كذا. أخيرا وبما أنني أؤمن دوما بأن الأعمال الكبيرة تنجز دوما بعد قليل من الأكفاء والمثابرين فإنني أرى أن التقليص من اللجان وجمع المتشابه منها تحت مظلة واحدة وتحوير بعض المسميات لبعض الإدارات لتكون تحت مظلة إدارة رئيسية واحدة سيكون له بالغ الأثر في توحيد الجهود وتقليص احتمالية تضارب القرارات وترشيد الإنفاق، وهي كلها أهداف أصلية وأصيلة في رؤية المملكة 2030 وتتناغم مع طبيعة وتحديات المرحلة. مع دعواتي للوزير بالتوفيق والسداد.