على الرغم من كونه يعيش في أواسط صحراء النفود الكبرى ويعمل بتربية الإبل، وأتم تحصيله العلمي عن طريق نظام الانتساب، إلا أن سالم فلاج الشمري، تمكن من قهر الظروف ليصبح لاحقا أحد أبرز خطاطي وفناني المملكة، ويقدم استشارات فنية لخطاطي المملكة، وغدت لوحاته الفنية ذات قيمة، ونُظم له معرضان، واختاره النادي الأدبي في حائل مؤخرا، ليقوم بعمل لوحات تعريفيه لبعض أقسامه، حيث امتاز الشمري بكتابة خط الثلث والنسخ، ويطمح إلى المشاركة بملتقيات كبيرة كسوق عكاظ، ويتمنى كتابة القران.
فنان وسط الرمال
يقول الخطاط الشمري الذي يسكن وسط صحراء النفود الكبرى، بمكان يقال له "مورد نقذة"، يقع وسط كثبان صحراء النفود على بعد أكثر من 100 كيلو متر عن حائل، لـ"الوطن"، إن بداية تعليمه الابتدائي كان بقرية "الجفر" وسط الصحراء، حيث كانت هناك أقرب مدرسة لمسكنه على الرغم من أنها تبعد 30 كيلومترا، وفي العام الدراسي الأول بدأت تظهر ملامح هوايته الفنية إثر تأثره بمعلميه ناصر فهد الصقري، وسعد سعود الغازي، حيث كان خطهما جاذبا له، وكان يقوم بتقليدهما حتى اتقن مبادئ الخط العربي في المراحل الدراسية التالية. ويستعيد ذاكرة تلك الأيام قائلا: في الصف الخامس الابتدائي كنت أقوم بكتابة اللوحات وتنفيذ بعض الرسومات التعليمية، ما لفت نظر العديد من المعلمين الذي دعموني بشكل كبير، وبعد إتمام المرحلة الابتدائية وصلت إلى مراحل متقدمة في إتقان فنون الخط، وكان الصف السادس الابتدائي هو نهاية عهدي بالدارسة، لعدم وجود المراحل الثانوية والمتوسطة في أماكن قريبة من موقع إقامتي في الصحراء، إضافة إلى تفرغي لمساعدة والدي.
بيع المواشي
لا ينكر سالم الشمري بأن وجوده في قلب وسط صحراء النفود الكبرى حرمه الكثير من الفرص لتنمية وصقل موهبته، لكنه يؤكد أن هذا الوضع اضطره للاعتماد على نفسه لتعلقه بالرسم والخط، وهو ما جعله يستخدم أدوات بدائية ومنها الفحم، كذلك قام بإعداد أدوات خاصة للخط من عظام الغنم والماعز، واقتصر على وقت شروق الشمس نهارا، لتنفيذ أعماله الفنية خطا ورسما، لعدم وجود كهرباء في الصحراء وقتها، مشيرا إلى أن تلك الأعمال رسمها أثناء رعيه للماشية.
وقال: بعد سنوات من انقطاعي في الصحراء وممارسة هوايتي بأدوات خاصة وبدائية، ولشغفي بتطوير الموهبة توجهت لمدينة حائل، وزرت إحدى المكتبات الخاصة وقمت بشراء كتب متخصصة بالخط وطرقه وأنواعه والأدوات التي تستخدم له، ولتأمين التكاليف اضطررت لبيع بعض مواشينا.
تحريم الرسم
يعترف الشمري في حديثه لـ"الوطن" بأنه اضطر في فترة ما من حياته لترك الرسم، بسبب بعض الفتاوى التي كانت تنشر بين الناس تحرم الرسم.
وعن كونه يعيش في بيئة صحراوية لا تهتم بمثل هذه الهوايات، قال: لا شك أن هناك من ينتقدني من مجتمعي القريب، كونهم يرون أنني أضيع وقتي في أشياء غير مفيدة، ولعدم اقتناعهم بهذا الفن، مشيرا إلى أنه فقد عددا من أعماله الفنية التي قام بتنفيذها لسوء الأحوال الجوية في الصحراء.
تواصل حديث
لم تقف الصحراء أمام تواصل الخطاط مع المبدعين في المجال نفسه، يقول سالم: إن حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "انستجرام"، قاده للتعرف على الخطاطين في منطقة حائل خصوصا والمملكة والخليج بشكل عام. وقال: بعض الخطاطين الذي تعرفت عليهم بوسائل التواصل الاجتماعي لم يصدقوا أنني أقطن في قلب الصحراء، حتى قاموا بزيارة لي، وخصوصا بعض مجموعات الواتساب"، ما سهل التواصل بيننا وسوق لأعمالنا. وتمكنت بعد ذلك من التواصل مع بعض المؤسسات الثقافية في حائل، ونُظم لي معرضان في جمعية الثقافة والفنون، ومعرض مشترك بمناسبة اليوم الوطني.
وأكد في ختام حديثه أنه يتمنى الانتقال من الصحراء حتى يتمكن من تطوير موهبته بشكل أكبر، كونه قهر الظروف والمستحيل من أجلها.
احتضان المبدعين
يقول عضو مجلس إدارة نادي حائل الأدبي الثقافي ورئيس لجنة التدريب الدكتور مفرح الرشيدي، إنهم في النادي وصلوا إلى الكثير من المبدعين والمثقفين في المنطقة. وأضاف: لم ننتظر أن يصلوا إلينا، فنحن نعمل بمفهوم الثقافة والفن الواسعين، لذلك سعينا لإيجاد طرق غير تقليدية لدعم المبدعين والمثقفين في المنطقة، والمساهمة في تخليد أعمالهم من خلال استقطابهم لتنفيذ أهم اللوحات، فاستقطبنا الفنان سالم فلاج الشمري، لكتابة اللوحات الخاصة بقاعة الملك عبدالعزيز وقاعة الأميرة نورة بالنادي.