تشرفت بحضور مجلس مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وإن كنت قد استمتعت بمعظم ما رأيته وسمعته في هذا الملتقى الثقافي مرات كثيرة، إلا أن مقدار إعجابي ودهشتي لا يوصفان بما عرفته عن مشروع "كيف نكون قدوة"، الذي دشنه سموه مؤخرا. وسبب إعجابي بالمشروع أنه يمثل مشروعا متكاملا لمستقبل المملكة، بما يحويه من استنهاض للهمم، وتحفيز للطاقات، واستنفار لقدرات الشباب، وتوجيه كل ذلك لما فيه خير الوطن والمواطن.

ولمن يظن أن المشروع من باب الترف الفكري أقول إن أبرز مميزاته هو أنه ينطلق من الواقع، ويعود إليه، ويلتصق به تماما، فهو يخاطب الجميع، انطلاقا من استذكار الماضي التليد، وتشريح الواقع الحاضر، واستلهام ما ينبغي أن يكون عليه المستقبل المشرق، يستثير في دواخلهم ارتباطهم بهذه الأرض التي شهدت انطلاقة مسيرة الهدى للإنسانية، بوصفها أرض الرسالة المحمدية، ومهد الإسلام، ومهوى قلوب مليار ونصف مليار مسلم، وحاضنة الحرمين الشريفين، وهي أسباب كافية لجعلهم قدوة للآخرين، إذا ما طبقوا تعاليم دينهم الحميد، الذي ما بعث به الله تعالى رسوله إلا رحمة للعالمين.

يدعو البرنامج الشباب إلى إيجاد متلازمة بين الأصالة والمعاصرة، والتمسك بالدين، مع الأخذ بأساليب الرقي والتمدن التي تأتينا من الآخر، وتسخير كل ما توصل إليه العلم والتقنية وثورة المعلومات، لأجل خدمة ديننا وأمتنا، وتحقيق سعادتنا في الدنيا ونجاتنا في الآخرة. ويؤكد أن لا جفاء بين الاثنين، ولا تباعد، شريطة تطويع كل ما توصل إليه الإنسان في العصر الحديث لما فيه خير دنياه وخدمة دينه.

تساءل سموه خلال حفل التدشين ببساطة حوت التفاصيل، ووضوح أزال اللبس، قائلا "ديننا الإسلام، ودستورنا القرآن والسنة، ومناهجنا إسلامية، كذلك حياتنا إسلامية، فكيف لا نكون قدوة؟"، وهي كلمات لو أمعنا فيها النظر لوجدنا أنها تمثل ما يشبه الدستور الذي يمكن للشباب أن يسيروا على هديه. لذلك فهو دعوة للوقوف مع النفس، ومعرفة أسباب الإخفاق، والعمل على تلافيها وتجنبها.

القدوة في مفهوم المشروع هي اتباع موروثنا القيمي، وما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا، عليه أفضل الصلاة والسلام، وما ورثناه من آبائنا وأجدادنا، من تقاليد راسخة، وعادات حميدة، تنادي بإغاثة الملهوف، وإكرام الضيف، ومساعدة المحتاج، وقبل كل هذا تقديم فكرة حسنة وانطباع إيجابي عن مجتمعنا، تزيل الغبار الذي يحاول البعض أن يغطوا به على صورتنا الحقيقية.

في عصرنا الحالي، تعاظم دور الدبلوماسية الشعبية، وتنامى أثر مؤسسات المجتمع المدني، ونحن الشعب الوحيد على وجه الأرض الذي حظي بأفضل ما اختص به الله تعالى الدول والمجتمعات، وهي استضافة ضيوف الرحمن، من حجاج ومعتمرين وزائرين للحرمين الشريفين، ونستقبل الملايين سنويا، من كافة بقاع الأرض، كما تضم بلادنا أكثر من 10 ملايين وافد، أتوا بلادنا بحثا عن حياة أفضل، وفرصة عمل شريف، إن كان بعضهم قد أساء، فإن الغالبية أحسنت، فلا يستقيم أن نأخذ الكثير بذنب القليل، وربنا عز وجل يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، فإذا استطعنا تقديم صورة حقيقية عن مجتمعنا لهؤلاء، وأخذنا بأيديهم، وقدمنا لهم ما يحتاجونه من عون، ببساطة وعفوية ودون اصطناع أو تكلف، أو إفراط أو تفريط، وتعاملنا معهم بما نشأنا عليه، نكون قد أوفينا لهذا البلد المعطاء جزءا ولو يسيرا مما أفاء به علينا.

والمشروع لا يختص بفئة دون أخرى، ولا بشريحة دون سواها، فهو موجَّه إلى رب الأسرة، والطفل، والمعلم والطالب، وإمام المسجد، والرجل والمرأة، والمسؤول، والدبلوماسي، كل في مجاله وقطاعه. وهو –أي المشروع -ذو جوانب إضافية، حيث يستنهض الشباب ويطالبهم بالتحصيل العلمي، ويركز على إيجاد جيل أكثر قدرة وتحصيلا أكاديميا، لتحقيق أهداف "رؤية المملكة 2030"، والسير بهذه البلاد نحو ما تستحقه من مكانة سامقة، والبناء على ما أرسى قواعده الآباء والأجداد، الذين وضعوا لبنات راسخة أسهمت في نشوء دولة عصرية، وسط أرض كانت ذات يوم صحراء تجف فيها حلوق الصقور، فتحولت في سنوات معدودة إلى قبلة يؤمها الناس من كافة أقطار الأرض، طلبا للعيش الآمن، وبحثا وراء فرص الرزق الحلال.

لدينا قاعدة صلبة ننطلق منها، وبنية تحتية صالحة للبناء عليها، وحكومة رشيدة لم تدخر وسعا في سبيل رفاهية أبنائها وضمان مستقبل أجيالها الشابة. لدينا جامعات عريقة نالت مكانة مرموقة وسط مؤسسات التعليم العالمية، فقط ما ينقصنا هو شيء من التخطيط للمستقبل، وهي مهمة ليست عسيرة، إذا عمل كل منا على إرضاء ضميره، والقيام بمهام عمله على الوجه المطلوب، وصان الأمانة التي كلفه بها ولي الأمر.

لتكن نقطة الانطلاقة من أنفسنا وداخل بيوتنا، بأن نركز على ضمان استيعاب أبنائنا لمناهجهم الدراسية، وأن لا نقتنع بتقويم قد يمنحهم في بعض الأحيان إشارات خاطئة، وأن لا نرضى لهم بالحفظ دون الاستيعاب والفهم، وأن يكون تركيزنا الأساسي على ذلك. هؤلاء مسؤولية نُسأل عنها يوم القيامة بين يدي الله عز وجل، فلا بد أن نحسن تربيتهم، وأن نرفق بهم، ونكون قدوة لهم، نطبٍّق أمامهم ما نريد منهم القيام به، حتى يكونوا كما نريد لهم.

ولا بد أن ندرك أن هذا الجيل –الذي حظي بما لم نحظ به –من أساليب تقنية متطورة، وتفتحت أعينه على ثورة الانفجار الفضائي وأجهزة الاتصالات، يختلف عنا تمام الاختلاف، فلم تعد أساليب التربية المباشرة تجدي نفعا، ولا تجدي معهم الأحاديث المكرورة والنصائح المملة، لذلك فإن القدوة هي الكلمة السحرية في هذا الشأن.

شبابنا أملنا، لا بد أن ننفض عنهم رداء السلبية، ونحفز دواخلهم، لطلب العلم والسعي وراء المعرفة، وندفعهم بإيجابية إلى تغيير السلبيات التي نعاني منها، وهم أهل لما نطلبه منهم، إذا ما وجدوا من يملأ دواخلهم يقينا، ويزيل من دواخلهم الهواجس والمخاوف، ويمهد السبل أمامهم ليحققوا الواقع المرتجى، وهو ما يعمل مشروع "كيف نكون قدوة"على تحقيقه.