ابتداءً من تشرفها بمكانتها الفريدة كقبلة لثلث سكان العالم من المسلمين، ومروراً بموقعها الإستراتيجي المميز الذي يربطها بأكبر القارات الثلاث وأهم الممرات البحرية الأربعة، تعتبر المملكة اليوم مؤهلةً لتكون من أفضل دول العالم في مستوى التنافسية الاقتصادية، وتصبح المعبر الرئيس لمرور أكثر من 30% من حجم التجارة العالمية، التي تفوق قيمتها السنوية 3.6 تريليونات دولار أميركي.

من هذا المنطلق أعلنت المملكة رؤيتها الطموحة، الهادفة إلى زيادة إيراداتنا غير النفطية من 27% خلال العام الجاري إلى 69% في عام 2030، لتحقيق العوائد الصافية ودعم اقتصادنا التنافسي الذي يحتل اليوم المرتبة الأولى في العالم العربي، والمركز 18 بين دول مجموعة العشرين، والمرتبة 28 عالمياً ضمن قائمة أغنى دول العالم.

هذه الرؤية الطموحة الهادفة في الأساس إلى تعزيز مكانتنا كأكبر الدول الجاذبة والمحفزة للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، تطالبنا أيضا بضرورة تحسين مرتبتنا الثالثة عالمياً كأفضل دولة في الحرية المالية والنظام الضريبي، وتدعونا إلى المحافظة على مركزنا الرابع كأقوى نظام مصرفي بين دول المعمورة.

هذه الأهداف لن تتحقق إلا إذا عكفنا على تنفيذ برنامج الرؤية الأول للتحول الوطني 2020، الذي ينادي، استجابةً للمتغيرات الاقتصادية المحلية والدولية، بضرورة تحسين بيئة الأعمال وتعظيم دور القطاع الخاص من خلال تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي المباشر، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومواصلة الإصلاحات في أسعار الطاقة وسوق العمل والنظام التعليمي، ورفع كفاءة الإنفاق، وتحسين إدارة الصناديق السيادية.

ولكون القطاع الخاص بكافة أطيافه يعتبر العمود الفقري لاقتصاد المملكة، لأنه يوفر أكثر من77% من فرص العمل، وتزيد ثرواته واستثماراته على نحو 2 تريليون ريال، لتغطي 72% من القطاع الاستهلاكي، و48% من قطاع البناء والعقارات، و32% من القطاع الصناعي، و12% من قطاعات الطاقة والبتروكيماويات، فإن سرعة تأقلمه مع مبادئ اقتصاد السوق وأحكام التجارة الحرة سيؤدي حتماً إلى تعظيم قدراته على المنافسة وتنمية الاقتصاد الوطني.

ويأتي عزم المملكة على فتح أسواقنا لاستثمارات الشركات الأجنبية في قطاع التوزيع بالجملة والتجزئة بنسبة ملكية 100%، خطوةً رائدة لإثراء التنافسية وتطوير التدريب وتنمية القدرات وزيادة القيمة المضافة المحلية. وبهذه الخطوة الجريئة يصبح السوق السعودي مركزاً دولياً لتنمية التجارة من خلال خدمات التوزيع وإعادة التصدير، إضافةً إلى مضاعفة قدراته على توظيف أكثر من 500 ألف مواطن بحلول 2020، وزيادة نسبة توطين وظائفه في القطاعات الخدمية الأخرى من 19% إلى 24%، وتشجيع مساهمة المرأة في العمل ومنحها الحوافز الملائمة، لرفع نسبة مشاركتها من 39% إلى 42% خلال 5 سنوات.

وحيث إن جميع المؤشرات الاقتصادية الدولية تؤكد على وجود علاقة وطيدة بين البيئة التنافسية ونسبة تدفق استثمارات القطاع الخاص ومعدلات النمو الاقتصادي، فإن النمو يزداد كلما ازداد تدفق الاستثمارات، والتنافسية تتضاعف كلما ارتفعت نسبة مساهمة القطاع الخاص في التنمية. ونظراً لأن الاستثمار، بشقيه الوطني والأجنبي، يعتبر جزءا لا يتجزأ من سعي القطاع الخاص لتنمية موارد الدولة الاقتصادية وزيادة قدراتها التنافسية، فإن حصيلة النمو الاقتصادي ستتأثر إيجاباً لدى ارتفاع نسبة تدفق هذه الاستثمارات، وذلك نتيجةً لزيادة القيمة المضافة المحلية، وانخفاض وتيرة البطالة، وتعافي الميزان التجاري، وتراجع عبء الدين العام.

والدليل على ذلك أنه بالرغم من زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي الإجمالي في العالم بنسبة 36% خلال عام 2015، لتفوق قيمتها 1.7 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، إلا أن قيمة تدفق هذه الاستثمارات في جميع الدول العربية انخفضت بنسبة 11% لتصل إلى حدود 57 مليار دولار، بسبب تراجع مشاركة القطاع الخاص في التنمية، وذلك طبقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، الصادر مطلع العام الجاري.

لذا يتوجب علينا تشجيع قطاعنا الخاص لتحقيق رؤية المملكة من خلال تطبيق الخطوات التالية:

أولاً: مطالبة القطاع الحكومي بأن يكون شريكاً للقطاع الخاص وليس منافساً له، لكي يسهم في توليد الوظائف ويرفع من مستوى المحتوى المحلي، ولتقفز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 58.7% في العام الجاري إلى 70% خلال 5 سنوات.

ثانياً: تطويع مخرجات التعليم وتوجيه مساراتها طبقاً لاحتياجات القطاع الخاص، مع ضرورة تنظيم العلاقة التعاقدية بين مؤسسات التدريب المهني والهيئة العامة للاستثمار لتحفيز المستثمرين على استقطاب الخريجين وتدريبهم على الوظائف الفنية والمهنية، للالتحاق بالمشاريع الاستثمارية تنفيذاً لأحكام توطين الوظائف المعتمدة في الاتفاقات الدولية.

ثالثاً: تعديل نظام المشتريات الحكومية ليستفيد قطاعنا الخاص من الاستثناء المميز الذي اكتسبناه في منظمة التجارة العالمية، والذي منح قطاعنا الحكومي أحقية شراء كامل احتياجاته من المنتجات والخدمات الوطنية مباشرة، وتفضيلها على منافستها الأجنبية من واقع التزامها بالمواصفات السعودية وليس بمدى ارتفاع أو انخفاض أسعارها.

هذه الخطوات حققت نجاحاً مميزاً في الدول النامية، مثل كوريا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند، التي أصبحت تشكل اليوم 28% من اقتصاد العالم، نتيجة تشجيع هذه الدول لقطاعها الخاص وتخصيص شركاتها الحكومية، لترتفع قيمة تدفق الاستثمارات في أسواقها إلى 32% من قيمة الاستثمار الأجنبي العالمي، ولتصبح معقلاً لصناعة أكثر من 67% من أجهزة تقنية المعلومات، و55% من قطع غيار السيارات، و33% من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه.

لتحقيق رؤيتنا الطموحة علينا دعم وتشجيع قطاعنا الخاص.