رغم أن لفظ التسامح لم يرد في القرآن الكريم، إلا أن الإسلام عمّق مفهوم التسامح بشكل كبير، وأوضح أن التسامح ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما واجب قانوني أيضا. فهو فضيلة من الفضائل التي يسّرت قيام السلام وأسهمت في نشر ثقافته، بدلا من ثقافة الحروب، ولعل مقولة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند فتح مكة كانت تحمل كثيرا من الدلالات لشرح معنى التسامح، حين خاطب الأسرى قائلا: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، تمهيدا لإصدار تسامح عام "من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن".

علينا جميعا أن نعي أن التسامح لا يعني المساس بالقيم الإنسانية لحقوق الإنسان، وأن التسامح لا يعني قبول التسلط الاجتماعي، أو أن يتنازل الإنسان عن مبادئه ومعتقداته، أو حتى التهاون فيها، لا سيما حين يتعلق الأمر بارتباط هذا الحق بظلم واقع.

لذلك، فإن تأصيل فكر التسامح أصبح مسألة ضرورية وحاجة ماسة للمجتمع، لتجاوز الآثار السلبية المترتبة على اللاتسامح من الكيدية، والانتقام، وردات الفعل، والعنف والثأر.

وعلينا إدراك أن تأصيل فكرة التسامح لا تمنع أعداء التسامح من العمل ضد فكرة التسامح، مستغلين أوضاع الفتن والحروب والمعارك الداخلية في المجتمع، والتي تضعف عرى التسامح، ولن يكون التسامح كافيا لردع اللامتسامحين الذين سيستغلون الأجواء المتسامحة لتحقيق مآربهم لمعاكسة قيم التسامح، الأمر الذي يتطلب عملا متواصلا لنبذ ادّعاء امتلاك الحقيقة والأفضليات والاستعلاء على الغير.

وقد عبّر الزعيم الهندي غاندي -خلال رسالة كتبها من السجن- بالقول: قد لا أحب التسامح لكني لا أجد أفضل منه وسيلة للتعبير عمّا أقصده.

التسامح إحدى القيم العليا التي يجب أن نطبقها على أرض الواقع بالشكل الصحيح الذي أرشدنا إليه ديننا الحنيف، والذي يجب أن نعلمه بطريقة ممنهجة وتربوية لأجيالنا القادمة، حتى نصل إلى مجتمع متسامح يقدم مصلحة الكل على مصلحة الفرد.