قبل أشهر انتشرت تقارير عن تراجع الموارد المالية لتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وقيل وقتها إن التنظيم قام بتخفيض رواتب مقاتليه، وتعليق عمل بعض مؤسساته، وإنه غيّر الكثير من خططه وآليات عمله، واعتبر المراقبون وقتها أن تراجع الموارد المالية هو بداية النهاية لهذا التنظيم الإرهابي، وأرجعوا تراجع الموارد المالية إلى ضرب البنية التحتية التي كان يعتمدها لتأمين مصادر التمويل، وفي مقدمتها آبار النفط في سورية والعراق، وكذلك تراجع الموارد المباشرة (مثل الضرائب والرسوم) التي كان يفرضها على السكان في المناطق التي يسيطر عليها.
العمليات العسكرية المتواصلة منذ سنتين والتي يقودها التحالف الدولي تسير دون ضجيج إعلامي ودون إعلان الكثير من التفاصيل، وهي نجحت في تكبيد التنظيم خسائر بشرية ومادية كبيرة، وحدّت من قدرته على التوسع ومهاجمة مناطق جديدة، وبدأت رقعته الجغرافية بالتقلص شيئاً فشيئاً.
والجديد اليوم هو ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول عسكري أميركي يشغل موقعاً حساساً في قيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والذي يشير إلى أن العمليات العسكرية نجحت في قتل خمسين ألف مقاتل من مقاتلي التنظيم منذ بدء العمليات، والرقم يحمل الكثير من النقاط التي تستحق التوقف عندها، فهو أولاً رقم ضخم للغاية، وهو يفوق بقليل تقديرات التحالف الدولي لمجموع مقاتلي التنظيم عند بدء العمليات، والتي أعلن وقتها أنهم خمسة وأربعون ألف مقاتل، وهذا بدا وقتها رقماً كبيراً دل على معركة كبيرة ومديدة قادمة، وبالفعل فبعد عامين من بدء العمليات ما زال التنظيم يحتفظ بكثير من الأراضي التي يسيطر عليها، وما زال لديه القدرة على خوض العمليات الحربية وفرض سلطته على السكان في مناطق واسعة، تضم فيما تضم عددا من المدن الكبيرة مثل الموصل والرقة ودير الزور.
والفارق بين هذين الرقمين يعني واحدا من سببين، فإما أن التقديرات الأولية كانت خاطئة وبعيدة جداً عن الواقع، أو أن التنظيم تمكن خلال هذين العامين من تجنيد أعداد إضافية كبيرة من المقاتلين، وبترجيح السبب الثاني يمكننا أن نستنتج أن التنظيم لم يفقد جاذبيته بالنسبة لذوي الميول المتطرفة من كل أنحاء العالم الإسلامي، رغم الضربات العسكرية التي يتلقاها، كما يشير إلى أن إجراءات قطع منافذ الإمداد عن التنظيم لم يجد نفعاً، إضافة إلى تقارير تقول إن التنظيم يلجأ إلى التجنيد الإلزامي لأبناء المناطق التي يتواجد فيها، وخصوصاً في أوساط الأطفال والمراهقين، حيث يزجهم في معسكرات، هي أقرب إلى معسكرات غسيل الدماغ منها إلى معسكرات التدريب، والتقارير الميدانية تقول إن النسبة الأكبر من مقاتلي التنظيم اليوم هم من اليافعين (متوسط أعمارهم 16 سنة)، وإن هؤلاء تعرضوا لعملية غسيل دماغ ممنهجة ومدروسة، وإن الخطط الإعلامية للتنظيم استطاعت أن تحول كل شيء لصالحها، فكل ما يصدر عن الآخرين (المجتمع الدولي والدول الإقليمية والقوى المحلية) يوظفه التنظيم في دعايته ليقول للفتيان في مناطقه "انظروا إلى الكفار ماذا يفعلون ويقولون، هيا بنا لنحاربهم كما أمرنا الله تعالى)، وبسبب التضييق الإعلامي وانعدام مصادر المعلومات، وكذلك بسبب انسداد الأفق وغياب التعليم، تلقى هذه الدعاية آذاناً صاغية تحول هؤلاء المراهقين إلى متفجرات بشرية.
الناطق باسم التحالف الدولي الكولونيل جون دوريان قال لفرانس برس إن التنظيم يرسل للقتال "مسلحين شباناً، للأسف من المراهقين". وأضاف أن السيارات المفخخة التي استخدمتها عناصر "داعش" في الموصل ليست متطورة كما في السابق، وهم باتوا يستخدمون "سيارات تقليدية" بدلاً من العربات المصفحة التي يصعب إيقافها بشكل أكبر. وتابع أن "الموارد بدأت تنضب"، لكن الوضع "يبقى بالغ الخطورة".
وشن التحالف (بحسب فرانس برس) حوالي 16 ألفاً و600 غارة في العراق وسورية منذ (أغسطس) 2014، وهي الغارات التي يقول التحالف إنها قضت على خمسين ألف مقاتل.
إذا فقوة التنظيم تتلاشى وعناصره يقتلون ومن بين خمسة وأربعين ألف مقاتل خسر خمسين ألفاً، وهذا يعني أننا لن نكون قادرين على تقدير مدى المعركة ومستقبلها، وإلى أي زمن ستمتد، فعملية الطرح التي أجريناها بين الرقمين تعني أننا لا نعرف عن ماذا نتحدث، وكذلك العسكريون الميدانيون وقيادة التحالف، وأن على العالم أن ينتظر طويلاً قبل أن تتوضح الصورة وتنكشف الحقائق.