التجربة الفنلندية في التعليم هي الأفضل في العالم كله كما تعلمون، أيضا القياديون في تعليمنا معجبون بفنلندا وتجربتها، وأظن أننا سجلنا رقما قياسيا بين كل دول العالم في عدد الزيارات التي شنها مسؤولو التعليم على المدارس الفنلندية. بالمناسبة وقبل البدء في المقال، الجامعات في فنلندا مجانية حتى لنا، بمعنى لو أرسلنا طلاب التعليم بدل القيادات للدراسة هناك والعودة معلمين ووفرنا لهم فقط مصاريف الحياة فقط سنكون فعلا وصلنا إلى عمق التجربة الفنلندية وأفدنا منها. "كريستينا شارتوني" معلمة فنلندية ذات خبرة عظيمة في بلادها استمرت سنوات طويلة، ثم انتقلت إلى أميركا وبعد فترة قررت أن تعود إلى مهنتها فالتحقت ببرنامج تقدمه الجامعات لتأهيل مثلها للتدريس في أميركا، ثم بعدها بدأت التدريس في إحدى الثانويات وبعد فصل واحد لم تعد تظن أنها قادرة على الاستمرار، "كريستينا" كتب تجربتها واثنتين مثلها الكاتب الأميركي تيموثي والكر، وهو متخصص في الكتابة عن التعليم الفنلندي وله عدة كتب مثل درس مثل فنلندا وكاقتراح للمهتمين بالسفر إلى فنلندا، ما رأيكم لو جمعنا مصاريف الرحلات إلى فنلندا ودفعناها لتحسين بيئة الفصول لدينا وعقدنا ورشا نناقش كتب تيموثي فيها بعد قراءتها بشكل فردي؟ أليست فكرة جيدة؟ نعود لكريستينا وصاحباتها في هذا الترم، صدمت كريستينا أنها تعرضت لتقويم من قبل جهتين وتمت زيارتها مرتين، وقالت عن ذلك إن معلمة مثلي لديها كل هذه الخبرة تتم زيارتها مرتين هذا يعني عندي أنهم لا يثقون بأدائي، إن المدير في فنلندا يزور غرفة صفي مرة في العام وبسرعة كإعلان أني أثق بك. ثم تقول إنها اكتشفت أنها لا تملك الحرية في اختيار المنهج أو الموضوعات ولا الأدوات إلا بنسبة صغيرة، لذا لم تعد راضية عن قدرتها على إعداد طلابها للاختبارات الوطنية، إنها مقيدة وهذا ليس ما اعتادت عليه في فنلندا، حيث يعتبر تفوق طلابها مسؤوليتها، وهي تملك القرار فيما يمكن أن يساعدهم على أداء مقبول بل يفوق المعايير اعتمادا على خبرتها. الشيء المذهل أيضا في ما تقوله كريستينا عن النظام الأميركي الذي يتطلب أن واجبات كتابية ترهق المعلم وتشتت انتباهه وتجعله مشغولا بعمل مكتبي غير تصحيح أعمال طلابه، إن ذلك ولا شك أفقدها الاستمتاع بعملها والإعداد له كما تشاء، حتى إنها تتساءل إن كانت هذه المهنة التي أحبتها يوما!. هناك شيء آخر عانت منه كريستينا وهو جدول الحصص المتلاحقة، فهي تخرج من فصل لتدخل الآخر، عكس ما يحدث في فنلندا، حيث كانت هي وطلابها يحصلون على 15 دقيقة بين كل ساعة تدريس. لا شك أن المعلمين السعوديين وهم يقرؤون هذا المقال يتساءلون حسنا أليس هذا الذي قلنا آلاف المرات إننا نعاني منه؟ ألم يقل لكم المعلمون تعبنا من الجدول المتراكم ودفاتر التحضير، وتعبنا من زيارة المدير والوكيل والمشرف وهيئة التقويم، بل والمراسلين الذين يدخلون مع دفاتر التوقيع وهم يتلفتون لعلهم يجدون شيئا يخبرون به المدير؟ إن الدراسات كلها تتفق على العلاقة القوية بين رضا المعلم وتحسين أدائه وهو ما نحاول كلنا قوله دون أن نزور جنة التعليم فنلندا.