حفل التراث العربي بأنواع شتى من التأليف، فلم يدع المؤلفون موضوعا لم يكتبوا فيه، فقد ألفوا في الموضوعات الجادة في دقائق العلوم والفنون، ولم يغفلوا الموضوعات الطريفة، كما خصوا كل موضوع بتأليف، وكل مسألة بمصنف، وكل فن بكتاب أو رسالة، في جد أو هزل.


جيل التأليف الفكري

حشد مؤلف كتاب" العَقَقَة والبَرَرة" فيه أخبارا وأشعارا عن العققة والبررة، ومؤلفه الأخباري اللغوي أبوعبيدة معمر بن المثني، وهو أحد أربعة من العلماء الأفذاذ تعاصروا جميعا وضربوا بسهم كبير في  الإنتاج الفكري والتأليف، فكان معاصرا للجاحظ الذي خرج من الدنيا عن زهاء 360 مؤلفا في ضروب شتى من العلوم، وكان معاصرا لأبي الحسن علي بن محمد المدائني الذي ألف نحو 240 مصنفا ثم عبدالله بن قريب الأصمعي، أما أبو عبيدة فقد قال صاحب "وفيات الأعيان" إن تصانيفه تقارب مئتي مصنف.

ومما يجدر ذكره أن الكتاب وصل إلينا برواية أبي غسان رفيع بن سلمة بن مسلم العبدي، وحققه عبدالسلام هارون ونشره ضمن نوادر المحفوظات.


يقول أبوعبيدة في مقدمة كتاب العققة والبررة: كان قوم عقوا آباءهم فعاقبهم آباؤهم على عقوقهم بقوم برّوا آباءهم، فذكر ذلك منهم، وقوم هاجروا إلى الأمصار وتركوا آباءهم في البوادي، فاشتاقوا إلى أولادهم فقالوا في ذلك.





ممن عق أباه لبطة بن الفرزدق، وكان يطيع امرأته وكانت تحرشه على أبيه، فقال الفرزدق:



أأن أرعشت كفا أبيك وأصبحت

يداك يدي ليث فإنك حاربه

إذا غلب ابن بالشباب أبا له

كبيرا فإن الله لا بد غالبه

رأيت تباشير العقوق هي التي

من ابن امرئ ألا يزال يغالبه

ولما رآني قد كبرت وأنه

أخو الحي واستغنى عن المسح شاربه

أصاخ لعريان النجي وإنه

لأزور عن بعض المقالة جانبه



كان لأعشى سليم، ابن بار به، فغاب في بعض حوائجه، فأنشأ الأعشى يقول:



نفسي فداؤك من غائب   

إذا ما البيوت لبسن الجليدا

كغيث الذي كنت ترجى له

فصرت أبا لي وصرت الوليدا


 أما قصص العققة فقد أكثر منها أبوعبيدة، ومن هذه القصص قصة "أم ثواب" الهزانية، حيث كانت امرأة ابنه تغريه بها في السر، وتسمعها في العلن: مهلا عن أمنا فإن لنا فيها حاجة، فقالت أم ثواب:



ربيته مثل فرخ السوء أعظمه

أم الطعام ترى في جلده زغبا

حتي إذا عاد كالفحال شذ به

أباره ونفى عن متنه الشذبا

أمسى يمزق أثوابي ويضربني

أبعد شيبي عندي تبتغي الأدبا

إني لأبصر في ترجيل لمته

وخط لحيته في خده عجبا

قالت له عرسه يوما لتسمعني

مهلا فإن لنا في أمنا أربا

ولو رأتني في نار مسعرة      

ثم استطاعت لزادت فوقه خطبا