منذ فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب بالرئاسة الأميركية في نوفمبر الماضي، صار من الممكن الإيمان بأن سقوطا للعولمة والقيم الليبرالية على وشك الحدوث في الغرب، كما في الشرق. لقد عاش الغرب طوال 30 عاما في ظل نظام عولمة عملية طبيعية لا يمكن وقفها، وكانت اقتصادات السوق الحُرة ببساطة هي الحالة الطبيعية السائدة. لكن عندما فرضت العولمة الدولة التي صممتها بالأساس، واستفادت منها، ثم صارت أغلب الأصوات ضدها، كان على الغرب أن يضع في الاعتبار احتمالية أنها ستنتهي، بل وستنتهي فجأة. وفي هذه الحالة، على الغرب أيضا أن يضع في الاعتبار احتمالية أنه إذا كان ديمقراطيا ليبراليا مدافعا عن حقوق الإنسان، ربما يُصدم لدى معرفة أن "القومية" أو"حُكم الأقلية" هو الوضع الافتراضي لما بعد سقوط الاقتصادات. وعلى الجانب الشرقي، شهد المجتمع الروسي الانحدار نحو الفوضى، منذ أقحم الرئيس بوريس يلتسين، البلاد في حالة فقر مدقع، حتى انهارت روسيا تماما في أوائل التسعينات، وأصبحت جاذبة للسلطة الطاغية. وبالمقارنة بالفوضى سنة 1990 ، شعر المؤيدون لفلاديمير بوتين بأنهم فدائيون. فقد أعاد بوتين النهضة والنظام والعزة الوطنية لروسيا على حساب تهميش الدبلوماسية وقمع الحقوق الديمقراطية. يوجد الآن في جميع أنحاء العالم نسخ مصغرة من فلاديمير بوتين، مثل: رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الفرنسي الفاشي المرتقب وصوله إلى السلطة مارين لوبان. وإذا انحدر الغرب -كما يرغبون- إلى القومية الاقتصادية، سيعرف كل من هو تحت سن 50 عاما ما مر به الروس في أواخر الثمانينات. ساد افتراض عام في روسيا، استمر لثلاثة عقود، بأن الوضع حينها دائم ولن يتغيَّر، وذلك على مستوى الاقتصاد والعلوم السياسية، ودراسات العلاقات الدولية. وكما كان الحال في الأوساط الأكاديمية السوفيتية، إذا اتضح لاحقا أن العولمة كانت مجرد شيء مؤقت وقابل للتغيير، فستصير كل الكتب المبجلة الآن مهجورة. لكن، هناك فرقا واحدا كبيرا الآن، فالمنشقون في أواخر الحقبة السوفيتية حاربوا من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل المفهوم العام للغرب. أما الآن، إذا انتصرت الشعوبية المعادية للأجانب، فلن يكون هناك "غرب" نتطلع إليه. وإذا بدأت المجتمعات الليبرالية والديمقراطية أن تحذو حذو المجر في عهد فيكتور أوربان، فلن تكون هناك أي قوة خارجية يستعان بها. وبالتأكيد أن الأمل الوحيد للغرب هم الغربيون أنفسهم، وهناك من المؤمنين بالأفكار الليبرالية ما يكفي لوقف هذا الانهيار العظيم الثاني نحو القومية وحُكم الأقلية. نحن متصلون ببعض، على وعي وعلم ولدينا مرونة نفسية. وفي تعاضدنا ومقاومتنا معا، يمكننا أن نتعلَّم الكثير من أولئك الذين طالما فعلوا ذلك، بهدوء، في روسيا. وقد يستمر جيل الشباب من نقاد فلاديمير بوتين في السخرية أو الضجر، لكنهم يمتلكون إيمانا راسخا بضرورة التغيير.