تقوم المملكة العربية السعودية على الكتاب والسنة، وقد جاء في النظام الأساسي للحكم، ما نصه: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)، وفي المادة الثالثة والعشرين منه التنصيص على أن الدولة: (تحمي عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).
وهذه نعمة منَّ الله بها على هذه الدولة السعودية، التي امتثلت قول الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
ولذلك عندما نجد الخطباء ورجال الحسبة يرسخون العقيدة الصحيحة، ويحذرون من فتن الشبهات والشهوات والأفكار المنحرفة، ويحثون الناس على لزوم الجماعة والسمع والطاعة، فإن هذا لا يُستغرب منهم، لأن الشيء من أهله لا يستغرب، وطبيعة عملهم في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تُعنى بترسيخ العقيدة الصحيحة التي هي أمان من جميع الانحرافات، ودستور بلادهم السعودية هو الكتاب والسنة، ولهذا لما قامت ثورات الشر والفتن في بعض بلاد المسلمين، وأراد أهل الشر أن تعم بشرها بلادنا السعودية، بما سموه (ثورة حنين) قام الخطباء في المملكة قومة رجل واحد بالتحذير من الثورات والخروج والفتن، وذكَّروا بالأصل الأصيل لمعتقد أهل السنة والجماعة، والذي حكاه الطحاوي في اعتقاد أهل السنة، وهو قوله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة).
وهكذا كل ما خرجت فتن تهدد الأمن، تصدى لها الخطباء بإزهاقها، وكشف الشبهات التي بُنِيت عليها، وبيان معتقد أهل السنة والجماعة، والتحذير من معتقدات الفرق الضالة، يفعلون ذلك عن عقيدة وقربة إلى الله تعالى.
وفي الأسبوع الماضي شاركت في لقاء مع خطباء منطقة الجوف، وقد سرني كثيرا تفاعلهم واستشعارهم المسؤولية للدفاع عن دينهم ووطنهم كغيرهم من خطباء المملكة، وحرصهم على التحصين الفكري، وكشف شبهات الفئات الضالة، وتوكيدهم على أهمية العمل بوصية النبي عليه الصلاة والسلام وهي قوله: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وإذا كانت هذه الجهود من حسنات الخطباء التي يجب أن تُذكر وتُشكر، فإن ذلك التميز في خدمة الدين والوطن، هو شعار رجال الحسبة كذلك، فقد أقامت هيئة حائل ملتقى بعنوان (بلدا آمنا)، تضمَّن ندوات وحوارات نافعة، وكان أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقولون، نحن ننهى عن المنكر، ومن أكبر المنكرات التي نتصدى لها، ونمنعها، زعزعة الأمن، واستحلال الدماء، والخروج على ولي الأمر، كما أن من المعروف الذي نأمر به اجتماع الكلمة على كلمة التوحيد، ولزوم الجماعة، والسمع والطاعة.
وإذا كانت هذه الجهود المتواصلة من خطباء المساجد ورجال الحسبة، محل الشكر والتقدير، ولا تُستغرب منهم، فإن هذا لا يعني عدم وجود خطأ من خطيب أو عضو هيئة، لكن لا يصح أن تُجحَد جهود آلاف الخطباء وأعضاء الهيئات، لخطأ خطيب واحد أو اثنين منهم، فهذا ليس من العدل، فالخطأ وإن كان فرديا يُعالج من جهة الاختصاص، ولا يُقلل من شأنه، ولكن علاجه ليس بالتهويل والمبالغة والإثارة والاستعداء، وطمس الجهود، فإن ذلك ظلم وجهل، والعاقل إذا أراد أن يتكلم فإنه يتكلم بعلم وعدل، وإلا فحسبه السكوت إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر.