تداول برنامج التواصل الشهير واتساب، طوال الأيام القليلة الماضية، قصيدة فصحويّة نثرية للكاتب والشاعر الجميل والساخر صالح جريبيع، فضجّ بها الكائن البرمجي الأخضر أيما ضجيج.
القصيدة النثرية الفصحى التي جاءت تحت عنوان بوهيمي وعبثي وغامض هو (الزُندقان)، أثارت جدلا وتداولا واسعا بين معارض لمضمون القصيدة الساخر الذي يهزأ بلون من ألوان الشعر، وهو قصيدة النثر، وبين مؤيد لصحة ما ذهبت إليه القصيدة من سخرية، ليس من الفن ذاته وقصيدة النثر ذاتها، وإنما سخرية ممن اقتحموا فضاء قصيدة النثر كلون أدبي، دون وعي، وفي أحايين كثيرة دون شاعرية.
قصيدة النثر فن أدبي خلّاق، له شروطه الفنية، وليست مجالا لكل من لا موهبة له، كما نشاهد الآن ونقرأ ونسمع.
أبدا لست أبالغ من وجهة نظر نقدية صرفة، إن قلت إن فن قصيدة النثر هو من أصعب الفنون والأشكال الشعرية، لسبب بسيط ومهم من وجهة نظري المتواضعة، وهو أنه النوع الشعري الوحيد الذي يتجرد من سلطتي الوزن والقافية، فهو يقوم على الشاعرية فقط، دون عوامل المساعدة الأخرى من وزن وقافية، وهي عوامل تُبسّط الكتابة الشعرية إلى حد كبير.
لقصيدة النثر تاريخ وتجارب محترمة عربيا، مثل تجارب أنسي الحاج ومحمد الماغوط وأدونيس وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم، وعلى المستوى المحلي كانت قصيدة النثر في جيل التسعينات من شعراء الحداثة الفصحى في أجمل تجلياتها عند علي العمري وأحمد الملا وعلي بافقيه وفوزية أبوخالد وغيرهم القلة، لكن حال قصيدة النثر الآن لا يسرّ، بل أصبحت مرتعاً للتجريب والتخريب، بفضل شعراء ينقصهم وعي الكتابة الشعرية، والفهم العميق لشروط قصيدة النثر الفنية.
أظن قصيدة (الزُندقان) الساخرة، من أول عنوانها الذي لا يدل على شيء، وحتى مضمونها اللفظي الساخر، إنما كانت بمثابة خطاب مرتفع الصوت ومناهض لمن عبثوا بهذا الفن.
للزُندقان صالح جريبيع، شكرا.