وفقا للمصطلحات الإحصائية، كان 2016 عام الاستمرارية بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث كان الأداء مماثلا تماما لما كان في السنوات الأخيرة. ولكن كانت هناك تغييرات كبيرة في السياسة، حيث إن حركة مناهضة للعولمة واسعة النطاق تشير إلى انهيار الاتفاق الجماعي للقادة السياسيين الذين توصلوا إليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد كان من المعتاد أن يكون مقبولا عموما أن يزيد خفض الحواجز التجارية من الرخاء والازدهار وترويج السلام، وأن يستفيد منه الاستثمار بين الدول، وتعزيز التعاون الدولي في حل المشاكل في جميع أنحاء العالم.
في حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، أعلن مرشحا الحزبين الجمهوري والديمقراطي أنهما يعارضان بشدة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. ودعا دونالد ترمب لتمزيق المعاهدات التجارية القائمة مثل اتفاقية "نافتا". واختار الناخبون البريطانيون مغادرة الاتحاد الأوروبي، في حين تحدى حزب المحافظين الحاكم حقوق العمال الأجانب، وأعرب رئيس حزب العمل الاشتراكي عن شكوك بريطانيا في عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولم تقتصر مقاومة العولمة على الغرب، ولا على العالم الصناعي، فقد حث رجب طيب إردوغان في تركيا، وفلاديمير بوتين في روسيا، وشي جين بينج في الصين ونارندرا مودي في الهند، جميعهم، على الوطنية، وأكدوا افتخارهم بها، وبالقيم الأساسية وقوتها، وأن مصلحتهم في القيم العالمية من الانفتاح وحقوق الإنسان تأتي في جميع الأحوال كمرحلة ثانوية.
يبدو أن النهضة القومية ومقاومة العولمة ستتخذان نهجاً عالميا، وليس حكرا على اليسار أو اليمين. ويبدو أن ذلك النهج سينبع من شعور عميق من جانب العديد من المجموعات التي عصفت بحياتهم قوات أجنبية دون إرادتهم. هذا إضافة إلى الفوارق الثقافية وعدم وجود الهوية المشتركة، مما يفقد الثقة في قدرات قادتهم لحمايتهم.
ولتمكين المجتمع الدولي من الدخول في مثل هذا الحوار، فإن التعاون العالمي هو مفتاح الحل، مع التركيز على الدبلوماسية الاقتصادية وعلى التدابير التي تزيد من مجموعة من السياسات التي يمكن أن تسعى إليها الحكومات لدعم العاملين من الطبقة المتوسطة محليا.
عندما التقت دول الحلفاء في عام 1944 في منتجع "بريتون وودز" بولاية نيوهامشير الأميركية للتفاوض حول قواعد وإجراءات نظام نقدي دولي جديد، حذر الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز من أن الاقتصاد العالمي سينحرف نحو انكماش تلقائي في حال تخفيض البلدان المقترضة بكثافة الإنفاق العام، وعدم تنشيط الطلب، لأن تراخيه يُعد السبب المباشر للانكماش.
سيأتي ذكر أحداث 2016 إما كمؤشر لبدء إبعادنا عن العولمة، وإما لبدء إعادة توجيه استراتيجيات العولمة بعيدا عن النخبوية والاتجاه نحو المصالح الجماعية. وإلى حين نحدد خياراتنا على مدى السنوات القليلة المقبلة، ستكون المخاطر عالية جدا.