جولة الملك سلمان الحالية ليست كأي جولة، وليست كأي زيارة ولقاءات اعتيادية. التحديات أكبر مما يتخيلها أحد، والمخاطر من كل حدب وصوب، وليس لها إلا قادة بحجم قادة دول الخليج الذين يدركون ما يدركه كبير زعماء الخليج العاهل السعودي.
المخاوف هنا ليست من باب المبالغة، ورغم هذا {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}. الخير الكثير يكمن في تلاحم دول الخليج في ظل هذه الظروف الحالكة السواد، وإذا لم يكن الآن فمتى عساه أن يكون؟!
يقول محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات في تغريدته البليغة بمناسبة زيارة الملك سلمان للإمارات الشقيقة: "علاقات المملكة ودولة الإمارات تجاوزت العلاقات الدبلوماسية والتحمت لتكون علاقة العضد بعضيده.. نسأل الله أن يحمي هذا الجسد الواحد".
"الجسد الواحد" هذا الوصف يسري على كافة الدول الخليجية لعوامل واقعية عديدة تفرضها الحالة وليست من باب المجاملات والاستهلاك الدبلوماسي أو الشعبي.
ما يجمع دول الخليج لا يمكن أن تجده في دول العالم، حيث المنظومة الجيوسياسية تتقاطع عندها مصالح عديدة وحياة متطابقة قد لا توجد على مستوى الكرة الأرضية.
ليس الدين واللغة فحسب، والتي هي مصدر اعتزازنا ولا شك، وليس مجرد التأريخ والجغرافيا والثقافة والأدب، بل إن الأمر يصل لأوسع من ذلك بكثير.
النسب والمصاهرة والقبائل والعوائل المشتركة، وما ترتب عليها من اللهجات المتداخلة واللباس المتشابه إلى حد كبير، علاوة على العادات والتقاليد والموروث الشعبي، حتى في مسائل كالمطبخ الخليجي المتطابق.
حتى إنك لتجد تقاربا كبيرا في تواريخ الأيام الوطنية لدول الخليج، فثلاث دول يوافق يومها الوطني شهر (ديسمبر)، ودولتان في الشهرين التاسع والحادي عشر!
لماذا لا نتحد ونحن ليس مثلنا أحد؟
توحدت مشاعر وعادات وتقاليد وحياة وطموحات شعوب الخليج، فهل حان الوقت لأن تتوحد إرادات الساسة، لا سيما والتحديات تهدد المصير المشترك.
كمواطنين خليجيين، نتطلع بشغف إلى اتحاد حقيقي نتيجة لرفع أميركا يدها عن المنطقة باتجاه إيران، بعد وصول ترمب إلى البيت الأبيض، وبعد تصريحات المسؤولين الإيرانيين العدائية والمهددة لأمن دول الخليج، وملامح التشدد الكريهة، وتغوّل التطرف اللعين، وجرائم الجماعات الإرهابية، فضلا عن نذر الاقتصاد والبطالة وغيرها.
تعاظم التصعيد الإيراني يظهر في التصريح الأخير لقائد قوات الدفاع الإيرانية محمد باقري، وحديثه عن أن المنطقة الخليجية تقع تحت السيطرة الإيرانية، وأن قوات بلاده على استعداد لإرسال قواتها للمنطقة في أية لحظة!
في مثل هذه التصريحات، من الحكمة أن نحملها على محمل الجد، وأن تتخذ كافة التدابير الخليجية المشتركة، وألا نكتفي بالقول إن مثل هذه التصريحات لا تخيفنا ومن هذا الكلام غير المجدي.
مجلس التعاون أمام اختبار حقيقي تفرضه التحديات الراهنة، والاتحاد هو صمام الأمان للدول الست، بغض النظر عن الدول غير الراغبة حاليا في الانضمام للاتحاد الخليجي، فقد تلحق بالركب لاحقا.
الزيارات السلمانية المباركة هي ضمن مبادرات الملك المفدى الخلاقة لتعزيز التضامن العربي وتوحيد صف العرب والمسلمين، وهي من الحالات القليلة التي يقوم بها عاهل سعودي في جولة خليجية واحدة.
هي تحسب للملك سلمان، لحرصه على توحيد المواقف، لا سيما أن دول الخليج تمر بتهديد ومحك خطير لم تشهده من قبل. هناك من يحمّل دول المنطقة الإرهاب ويريد محاسبتنا على بلاء ابتلينا به وسُلّط علينا قبل غيرنا. وهناك أيضا مطالب لضرب الاقتصاد الخليجي لتجفيف الدعم المالي للإرهاب، حسب زعمهم، وهو بكل تأكيد وبرهان زعم محض افتراء وكذب.
الجولة ستكون حافزا لضخ مزيد من الحيوية في مساعي تفعيل العمل الخليجي المشترك، لذا فإن مخرجات هذه الزيارات ستكون كبيرة، خاصة أنها في وقت بالغ الحساسية.
الشعوب الخليجية تترقب إمكانية الإعلان عن ولادة الاتحاد الخليجي الذي طال انتظاره، وربما اتفاقات عسكرية جديدة أو الإعلان عن العملة الخليجية الموحدة لمواجهة التحديات الاقتصادية.
تكامل دول المجلس وتضامنھا وتعاونھا ھو الكفيل بإجهاض المخاطر التي تحيط بھا، وتهدد مكتسباتھا التنموية والحضارية، ودفع مسيرة العمل الخليجي المشترك، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والأمن الإقليمي، ومواجهة التحديات والأزمات في المنطقة.
الآنَ، الآنَ وليس غدا..... أجراس ?"?الاتحاد?"? فلتـُقـرَع?.?