كنت أنتظر كعادتي خروج أبنائي الصغار من الصفوف، محترمة قانون المدرسة بألا تدخل الأم لإحضار الطفل من داخل الصف لأنه في نهاية اليوم الدراسي تتبادل المعلمة مع الطلاب بعض الملصقات والهدايا التشجيعية التي تكافئهم بها في نهاية يومهم الحافل، لذلك كنت أنتظر كل يوم جرس الانصراف الذي يعلن خروج الجميع احتراماً للقوانين، حتى استفزني منظر قبيلة من الخادمات تقتحم الصفوف الواحدة تلو الأخرى لالتقاط الأطفال والخروج بهم إلى الساحة المُشمسة لتبادل الأخبار والشكاوى والأرقام، وأحيانا بعض المبيعات التي تجلبها إحداهن لتبيعها على زميلاتها، تاركين الأطفال تحت أشعة الشمس الحارقة إلى أن ينتهين من أحاديثهن، وعندما أثرت هذا الموضوع للمدرسة أصبت بالإحباط حين عرفت بأنهم عجزوا عن جعل الخادمات يتقيدن بالقوانين خاصة عدم فهم الكثير منهم للمعنى الأساسي وراء المنع، وفي نفس الوقت لم تجد المدرسة أي نوع من التجاوب من الأمهات ولا حتى إجبارهن في التواجد مع أطفالهن خاصة في الذهاب والإياب الذي دائما ما يترك تأثيرا إيجابيا في نفسية الطفل حين تستلمه أمه في نهاية اليوم، ورأيت بنفسي كيف يقبل الطفل راكضا نحو الخادمة فرحاً لأنه وجد شخصا ينتظره في نفس الوقت الذي قلما ألاحظ خادمة تبادل طفلا نفس الشعور البريء إلا حين يتواجد أحد أفراد العائلة، وفي أكثر من موقف أجد الخادمة تدفعه بيدها حين يحاول الطفل احتضانها لأنه في تلك اللحظه يتمنى أن تكون تلك أحضان أمه! وحين تضطر المدرسة في حالات التأخير إلى الاتصال بالأب في عمله لأن الخادمة هي التي كثيرا ما ترد على اتصال المدرسة لتعلن بأن الام نائمة، من المؤسف أن بعض الأمهات لا يشعرن بالمسؤولية أبداً لأنه حين تستيقظ المدام لا تفكر حتى بالرد على اتصال المدرسة، بل ترد على مكالمات أهلها أو صديقاتها لوضع خطة أين أسهر هذا المساء وتسأل الأم البديلة (الخادمة) ماذا تريد المدرسة باستنكار! أثناء انتظاري وتدافع الخادمات تذكرت في زيارتي العام الماضي لإحدى مدارس العاصمة الشهيرة، حيث كنت أقف مع صديقتي في انتظارخروج ابنتها، وكيف شعرت بالخوف يتسلل إلى صدري بعد أن رأيت العدد الخرافي المبالغ فيه من الخادمات والمربيات يحُمن في فناء المدرسة كخلية مليئة بالنحل حتى شعرت بأننا نقف عكس اتجاه نفرة الحجيج في موسم الحج وليس فناء مدرسة! كدت أن أصاب بالاختناق من كثرة الخادمات، وشعرت لوهلة بأن هذا هو الخطر الكامن في بيوتنا، بل المنظر يُشعرُك بالحزن ويعكس مدى سُوء صورة الأم والأب في مجتمعنا وفشلهم في أداء أهم دور أُوكل إليهم، فكان واجبهم هو أن أوكلوا تلك المسؤولية للخادمة والسائق"الأم والأب" البديلين للقيام بما هو أكثر من ذلك! وقفت أبحث لنفسي باستياء عن مكان وسط الاحتلال (احتلال الخادمات لأطفالنا) فوجدت إحدى الأمهات ووقفت بجوارها،التفتت إليّ المرأه حين سألتني: "هل لا حظت العدد القليل من الأمهات"! هززت رأسي بحسرة وألم وأنا أنظر في وجوه الأطفال الصغيرة فلفت نظري وجود "أم حقيقية" أخرى تلبس رداء أبيض وتعمل كطبيبة عيون في أحد المستشفيات، ولكن في نفس الوقت استطاعت أن تجد دقائق لتخرج وتأخذ أبناءها الذين لم يتجاوز أكبرهم الخمس سنوات لأن المدرسة بكل بساطة روضة وحضانة، فكيف تعهد أي أم عاقلة موظفة كانت أو عاطلة بأطفال في سن الحضانة والروضة إلى أم أخرى مزيفة لتقوم بدور حماية الأم التي فشلت في تحقيقها؟
لا يُعقل أن تكون جميع الأمهات موظفات، لأنه من منتهى التعاسة التي يمر فيها جيل جديد مازال يعاني من تخبط استقرار المناهج لا يجد تقويما وتربية سليمة من الأم الحاضنة بل من بديلة.
النائمات في الصباح في فراشهن، وتلك التي تتعذر بالعمل يجب أن تُدرك مدى خطورة الوضع بعد أن أكدت عدة دراسات أن 22.7 في المئة من الأطفال بالمملكة تعرضوا للتحرش الجنسي، وأن 62.1 في المئة منهم رفضوا الإفصاح عن الأشخاص المعتدين عليهم، فيما أرجعت الدراسة ذلك إلى حساسية العلاقة التي تربطهم بالمعتدين أو خوفهم منهم.
أرسلت لي إحدى الأمهات تقول إنها فُوجئت بأن سائقها الخاص الذي قضى أكثر من عشر سنوات يخدم في منزل أبيها وانتقل إلى منزلها بعد أن تزوجت؛ اكتشفت بأن السائق الوقور اعتاد طوال ثلاثة أشهر التحرش بالطفل يوميا في طريق العودة من المدرسة إلى المنزل، وذلك حين أخذ بالتوقف يوميا أمام بقالة صغيرة ليشتري للطفل ما تمنعه أُمه منه من سكاكر وحلويات قبل التوجه إلى المنزل، وفي كل مرة لا يفهم الصغير معنى ما يفعله السائق عندما يأخذه ويضعه على رجله أمام المقود لأنه مشغول بالحلوى التي كان يلتهمها وبعد الانتهاء منها اعتاد السائق تحذيره وتخويفه من أن يقول شيئاً لأمه بعد أن هدده بطريقته بأنها ستغضب وتضربه، إلى أن جاء يوم وجلس يبكي أمام أمه ويطلب منها حلوى قائلا: "اعطيني حلاوة وألعب معك حصان" مثل السائق بكل براءة! جن جنون الأم وخرجت غاضبة تصرخ وترمي كل شييء أمامها على غرفة السائق بعد أن شرح لها الطفل بالتفصيل ما يحدث، مع ذلك ما زالت تُقسم لي الآن بأن شكله "مسكين وطيب" وإلى هذه الأم وكل أم أقول: الخوف دائماً من الذي شـكله فوق الشبهات، كنا ومازلنا نُحذر من وقوع الخطر ونُكرر خذوا الحذر من الخطر النائم في بيوتنا ولا تجعلوهم يقومون بدور الأم والأب لأطفال دون سن الإدراك!