في سنة 1920 بدأ بعض المفكرين الغربيين وفي مقدمتهم"والتر ليبمان" و"جون ديوي" بالنظر للعلاقات العامة كتخصص مستقل بذاته، إلا أن الجدل استمر حول كون المختصين في العلاقات العامة مجرد بائعين لأفكار داعميهم أم أنهم من كبار المساهمين في عملية تطوير المجتمعات بشكل عام ومؤسساتهم بشكل خاص. يرى الأميركي "ليبمان"، وهو من الذين شاركوا في صناعة قرارات دبلوماسية أميركية عديدة، أن دور مسؤول العلاقات العامة يكمن في هندسة أفكار الجماهير وتوجيهها بالشكل الذي يتناسب مع الأقلية التي تدير المجتمع. في المقابل يرى جون ديوي أن قطاعات الاتصال بشكل عام والعلاقات العامة بشكل خاص يديرها الجماهير والناس العاديون، وأنه لا يمكن لهذه المجالات البقاء بدون معدل رضا وقبول مرتفع من قبل الناس.
لكن الكثير من الباحثين يرون أن وجهة نظر" ليبمان" منتهية الصلاحية، حيث يعود الدافع الذي جعله يكتب رأيه ذاك هو تعايشه مع الإعلام النازي التابع لـ"هتلر"، حيث إن ما قام به هتلر كان باختصار تجييشا ثقافيا للأوروبيين ضد دين بعينه.
نقطه أخرى أضعفت رأي "ليبمان" في العلاقات العامة هي تصنيفه لهذا المجال بأنه تسويقي وتجاري، حيث كتب عن أهمية الحصول على المال من وراء منشورات المختصين بالاتصال والإعلام. في الحقيقة، يحذّر نظيره البريطاني جون ديوي من الاتجار بالإعلام والعلاقات المؤسساتية وحتى السياسية؛ لأن ذلك يقف غالبا ضد مصالح الناس أو الشعوب.
بعد مرور أكثر من 90 عاما على هذا التنظير الجدلي للعلاقات العامة، لا يقف الباحثون المعاصرون في صف ليبمان -اليميني بتطرف- ولا حتى في صف ديوي -الموغل في مثاليته-، بل في المنتصف.
يهدف المختصون في العلاقات العامة اليوم لنفع الشعوب ولكن في نفس الوقت الكسب المادي من وراء هذا النفع. مثلاً، نشرت في 2015 مؤسسة رياضية بريطانية للعلاقات العامة حملة بعنوان "This girl can" بمعنى "هذه الفتاة قادرة". تهدف الحملة لتشجيع النساء على ممارسة الرياضة بعد أن صرحت وزارة الصحة البريطانية بأن معدل ممارسة الرياضة بين النساء وخصوصا الأمهات منخفض جداً، مما أدى لاستهلاك مفرط لخدمات صحية معينة. لقد نشرت هذه المؤسسة مقطع فيديو قصير عن الحملة بهدف توعية المجتمع لا أكثر، والحال أن شركات ملابس رياضية رفيعة قامت بالتعاقد مع العاملين في هذه المؤسسة لتصنيع منتجات تحتوي على شعار الحملة. انتهى الأمر بانخراط أكثر من مليوني إمرأة بريطانية برياضة مستمرة، وربح هذه المؤسسة أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني، ما يعادل 50 مليون ريال سعودي. إن هذه علاقات عامة جيدة، الأولوية فيها نفع المجتمع، والمال أولوية أيضا؛ لكن الذكاء يكمن في ترتيب الأولويات.