في زيارتي الأخيرة للعاصمة الأميركية قررت زيارة المتحف الأميركي لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة، والذي افتتح قبل أشهر معدودة، ورغم أني من محبي زيارة المتاحف بكافة أنواعها إلا أني وعند وقوفي على مدخل المتحف تبادر إلى ذهني إشكال أخلاقي اتضح لي بعد ذلك أنه إشكال كان بالفعل قد نوقش قانونيا في أميركا، الإشكال بالمختصر هو هل يعد هذا المتحف المخصص في تاريخ وإنجازات الأميركيين من أصول إفريقية مركزا ثقافيا يحتفي بالعنصرية؟!

قد يتفق أكثركم على أن متاحف المحرقة اليهودية المعروفة بالهولوكوست تعد من وجهة نظرنا نحن العرب تمجيدا لواقعة تاريخية يشك في حدوثها العديد منا، وأنها ليست إلا مزارا لتوبيخ العالم وتذكيره بالمأساة التي ألمت بملايين من يهود أوروبا على يد النازية، ووسيلة ضغط يستخدمها اليهود لإبقاء فكرة الاضطهاد ماثلة وباقية يتم إخراجها كذخيرة لمحاربة أي طرف يعادي اليهود، لا من المنطلق الديني بل من واقع التأثير اليهودي السياسي.

في أعقاب فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة، طفا على السطح وبشكل لافت ما يسمى باليمين المتطرف والذي يعمل سياسيا من أجل إعادة التوازن للديموجرافية الأميركية، بحيث تصبح ذات أغلبية بيضاء بدلا من الواقع الحالي الذي فقد فيه هذا العرق -كما يقولون- السيطرة على أميركا لصالح الأميركيين من أصول إفريقية ولاتينية وإسلامية، وهي دعوة لا تحتاج إلى أي شرح مستفيض للقول بأنها عنصرية نازية بامتياز.

كان من الواضح أن جميع من يعمل في ذلك المتحف هم من أبناء البشرة السمراء مع استثناءات بسيطة جدا، ومعظم الزوار الذين اكتظت بهم أدوار المتحف الخمسة هم أميركيون من أصول إفريقية مع وجود زوار من أعراق مختلفة غالبيتهم من السياح أمثالي أتوا كلهم للاطلاع على المقتنيات والمعروضات الوصفية الغنية، إلا أن أكثر ما لفت انتباهي في المتحف هو التمجيد اللافت للإنسان الأميركي الإفريقي، والذي ذكرني دون قصد بتلك الصور التي نراها في وثائقيات الحرب العالمية الثانية، والتي تظهر تمجيد النازيين للرجل الآري الأشقر، والذي بعضلاته المفتولة يجسد أرقى مستويات الإنسان وأكملها على الإطلاق.

رغم أني أتعاطف كما الكثيرين منكم بما عاناه الرجل الإفريقي الأول من عبودية مقيتة في أميركا وفي أقطار كثيرة حول العالم بما فيها منطقتنا العربية والإسلامية إلا أني لا أستطيع النظر إلى هذا المتحف دون أن أجد أوجه الشبه التي حاولت أن أوضحها في الأمثلة السابقة، وإن كان العالم اليوم يعيش حروبا طائفية وعرقية وتصفيات إثنية هنا وهناك، فلا يمكن قبول أي احتفالية ثقافية من منطلق التمييز العنصري.

قد يقول البعض إن هناك ظلما تاريخيا يقابله رد بالاحتفال بالعدل التاريخي، لكن في ذات الوقت هناك من سيرد، وهل الرجل الأبيض الذي استعمر أميركا هو صاحب الأرض وصاحب الحق فيها كما يقول اليمين المتطرف الأميركي؟

العنصرية ليس لها وجه حسن مهما حاولنا التبرير، هي تعنصر عرقي مقيت لا يمكن لي أن أرى فيه أي عدل!