قلت للابن الشاعر الشاب، حيدر العبدالله، وأنا أتصل به مؤازراً: ستصبح بعد هذا الطوفان الإلكتروني أشهر شاعر سعودي، ثم اقترحت عليه تحويل "سكنانا" كمفردة إلى علامة تجارية مثلها مثل آلاف المفردات والعناوين في عوالم الأدب والفن التي خدمتها الصدفة قبل أن تحول ملاك حقوقها الفكرية إلى أرباب ثروة. بذات الحنجرة ونغمة الصوت وطريقة الإلقاء، فاز حيدر العبدالله بجائزة أبوظبي لإمارة الشعر العربي في سن العشرين. وقبلها بعام حصد بردة شاعر شباب عكاظ بإجماع كل المحكمين. وقبل هذين الفوزين "السوبر" فاز هذا الشاب بجوائز العام لثلاثة أندية أدبية مختلفة. وذات سنة قريبة جدا وصفه الناقد العربي العملاق، صلاح فضل، بأنه "الجواهري" الجديد في فضاءات الشعر العربي. وبكل الاختصار ستكون له "سكنانا" نقطة البداية التاريخية. وما كنت لأكتب لولا اتصال طالب ماجستير من جامعتي مساء البارحة يسأل عن إمكانية المغامرة لكتابة أطروحته عن هذا الشاعر الشاب: فاقترحت عليه العنوان: سرد النقائض في الصورة الشعرية التقابلية لحيدر العبدالله. اقترحت العنوان لأن هذا الشاعر يحلق في تقابليات النقيض في مطالع قصائده، ووحده، تماماً كما يحلق، عمر السومة، في ميادين الكرة العربية. وحتى قصيدة "سكنانا" تزخر في المطلع بهذا الاختصاص المدهش، ولكن من هو الذي سيقرأ بحياد وموضوعية في ذروة هذا التجهيل الذي شاركت في زفته حتى عاملات المنازل وتقليد الأصوات بكل اللغات الأعجمية.

لماذا حدث كل هذا الطوفان ضد هذا الشاعر وضد القصيدة؟ جزء منها، وقد قلته له، يكمن في طريقة الإلقاء ونبرة الصوت، وقد نصحته أن يعتزل شعر المناسبات لأنه لن يكون فيه "عملقة" حيدر العبدالله. جزء صغير آخر يكمن في الارتداء "الطائفي" المريض الذي يستكثر على ابن قرية حساوية أن يكون الخيار في مثل هذه المناسبة. وهنا ندلف إلى تفسير الجزء الأكبر لهذه الهجمة الإلكترونية المليونية حتى اللحظة: من هو الذي سيتذوق طالب هندسة، هابطا إلينا من بردة عكاظ وإمارة الشعر العربي في زمن طغيان "الشيلة" الهستيري، ومن هو الذي سيقرأ تقابلية الصورة المدهشة ما بين صدر البيت وعجزه في "سكنانا" في عصر تشتغل فيه "أخذ حقه بدق خشوم" مطلعا لكل حفل زواج وذائقة لكل شاب يقف في الشارع منتظرا فتح الإشارة؟ وحتى مقالي هذا سيبدو نشازا في وسط هذا الطوفان المتشكل تحت ذائقة عشرات القنوات الشعبوية وتحت هذا الإعدام الممنهج لأسماعنا في خيام الردح ومرافعات هياط الشعر الذي تعرضه هذه الأقنية. إنه زمن الشيلة وعصر القناة الهابطة التي لا أستطيع كتابتها ما بين قوسين. قلت لحيدر العبدالله ضاحكا في نهاية اللقاء، قصتي الواقعية قبل أشهر وأنا أطلب من محل أي تسجيل لمارسيل خليفة فيرد البائع: هل تعرف اسم أي من شيلاته؟ وبالبرهان، ولك أن تبحث: لن تجد في كل شوارعنا تسجيلاً أصلياً واحداً لفيروز، وهنا سأكتب: ويؤسفني جدا أنني لم أجد فردا يقرأ قصيدة حيدر العبدالله.