إذا كانت نسبة السعودة، تعد الأعلى في "بعض" الشركات والمؤسسات الحكومية، فهذا لا يلغي حقيقة، أن توظيف الأجنبي، يكلف الدولة ثلاثة أضعاف السعودي وربما أكثر. وظاهرة وجود الأجنبي، على رأس كل مشروع ومفصل حيوي، في الشركات السعودية والاستثمارية في المملكة، بات أمراً مستفزاً، لمعشر العمال والموظفين، ولا يحتمل التبرير من أي جهة، بأي شكل من الأشكال. خاصة حين يكون أمام نوعية الوظائف، بالمقابل عاطلون من أبناء البلد، يحملون نفس التخصصات ومن أعرق الجامعات.

انفجرت الأسبوع الماضي، قضية توظيف مهندس ميكانيكا، تم استقدامه بتأشيرة زيارة عمل، للعمل في مشروع تطوير مطار الملك عبدالعزيز في جدة، براتب يبلغ 40 ألف ريال. ليباشر مهامه من بداية شهر نوفمبر الحالي. ولا أدري إن كان ذلك المهندس قد التزم بالتسجيل، في الهيئة السعودية للمهندسين، قبل تعيينه، والتي تتبع إجراءات صارمة، للكشف عن الشهادات المزورة، قبل المصادقة على استخراج إقامة العمل في المملكة. فالشركة حين التفّت على أنظمة العمل، وارتكبت عدة مخالفات، ضاربة بأحد قرارات العمل الأخيرة عرض الحائط، والتي تم فيها وقف التأشيرات، لحين ترتيب سوق العمل وتوطين الوظائف. ترسل رسالة مفادها أن قرارات وزارة العمل لا تؤخذ بجدية، وليس لها قوة أو تأثير على أرض الواقع.

 وإذا كانت شركة مسؤولة عن مشروع، بحجم تطوير مطار جدة، قد التفّت على قرار مثل ذلك، فهذا يعني أن هناك شركات أخرى، تمارس مخالفات مماثلة، دون أن تتعرض للمساءلة من قبل الوزارة. والقضية التي أوغرت صدور المهندسين السعوديين العاطلين وغيرهم، أن التخصص الذي عُين عليه الوافد، ليس تخصصا نادرا، أو لا يوجد مثله، بل هناك أكثر من 7 آلاف مهندس سعودي، تم إقصاؤهم من التوظيف، في عدة شركات مع سبق الإصرار والتعنّت. وتدعي الشركة أن هذه هي المرة الأولى، التي يضطرون فيها إلى استقدام موظف بهذه الطريقة، ثم ألقت الكرة في ملعب وزارة العمل، لتحملها جزءا من المخالفات التي ارتكبتها، بأن الوزارة لم تصحح وضعهم!

وإذا قمنا بعملية مسح بسيطة، على موقع لينكد إن كأبسط مثال، نفاجأ بأن حركة التوظيف النشطة، التي تحدث في البلد، لا تصل إلى أبناء الوطن، لأن من يقودها مافيا آسيوية، تحمل غالبيتهم جنسيات غربية، حيث أصبحت الآن (متطلبا وظيفيا). تسيطر على مناصب في الموارد البشرية، وفي شركات التوظيف في المملكة وخارجها، فتعلن عن عدة فرص ذهبية في السعودية، وتستقبل السير الذاتية، ثم تغلق استقبال الطلبات، متبعة نفس إجراءات التوظيف الاعتيادية. وحين تبحث فيما بعد، تجد أن من فاز بالوظيفة، أحد أبناء جلدتهم، الذي اختير مسبقاً، وكل تلك الإجراءات المتبعة، لم تكن سوى غطاء روتيني، يتطلب تكملته إلى النهاية.

وفي أغلب القطاعات الخاصة، تجد بداخلها "لوبي" من جنسية محددة، يديرون كل شيء لمصلحتهم بطريقة محترفة، فيستحوذون على أعلى الوظائف مزية، ويتعمد فريق منهم الإساءة إلى الموظف السعودي ومحاربته، وإثبات قصوره بأي وسيلة لإبعاده. في عمليات تطفيش متتابعة. حيث لديهم اعتقاد، بأن القطاع الخاص في الأساس كان من حقهم، وجاءت السعودة لتشاركهم في قوتهم، وربما يتذكر البعض كيف تعمد موظف آسيوي، يعمل في إحدى الشركات السعودية، نشر تحذير وقح على "موقع لينكدإن"، مطالبا فيه بعدم توظيف السعوديين، مبررا ذلك بأكاذيب كشفت مدى حقده الدفين على أبناء هذا البلد. والحقيقة، لسنا ضد عمل الوافدين في الشركات الخاصة أو الحكومية، بل ضد ظاهرة الثقة العمياء التي تمكنهم من الوظائف بسهولة، وتصعبها في نفس الوقت على أبناء البلد. وأستغرب من إغماض وزارة العمل العين عن تلك الشركات، وفتح العين الأخرى ملء محجرها على وظائف المحلات التجارية فقط.

كما أن استمرار الوزارة في المضي قدماً، لتنفيذ مبادرات التحول، دون تصحيح للبند 77، يفقدها المصداقية في أنها تعمل حقاً، من أجل إيجاد وظائف ترفع بها نسبة التوطين. لأننا نشعر أن هذا البند أتى عمداً، لمنح الشركات حرية فصل موظفيها السعوديين، ليتم دفعهم إلى شغل وظائف في المحلات التجارية فقط. وإلا فماذا فعلت الوزارة لتوظيف هذا العدد الهائل من المهندسين السعوديين، نريد أن نعرف دورها في هذا الأمر تحديدا. ومع أن وزير العمل السابق أعلن منذ أشهر قليلة، أن الحكومة ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لخفض معدل البطالة، عبر خلق وظائف جديدة، أو إحلال السعوديين في وظائف يشغلها الوافدون. ووضح أننا نحتاج بين 1.1 و1.3 مليون وظيفة، حتى نخفض معدل البطالة إلى 7%، ولكن ما حدث في الربع الثالث من هذا العام كان عكس ذلك، حيث ارتفع معدل البطالة مسجلاً 12 %، كما جاء في تقرير هيئة الإحصاء.

لذا أصبح لزاماً في هذا الوقت، أن تواجه وزارة العمل التحديات الجديدة، التي يفرضها التسارع الذي تشهده المرحلة الحالية إلى تحديث بعض بنودها، لتحافظ على حقوق العامل السعودي في القطاع الخاص، وتوقف هذا التكتل والاستعمار الوظيفي. فتجربة الموظف السعودي في القطاع الخاص، كانت ومازالت مجحفة، ولا تحميه قوانين العمل، بقدر ما تحمي حقوق الوافد في تلك الشركات تحديداً.