إذا أُطْلق مفهوم التعَّايش تأتي التفَّاسير من مختلف التخصصَّات كل يَنْزعُ إليه بطرف، فالإسلاميون ينظرون إليه على أن مرَّد الكون والإنسانية إلى التعايش البشري بين آدم وحواء ثم بقية البشر، وآخرون يرونه تعايشا حتى مع الأجناس، كما أشارت إليه سورة هود في القرآن، عندما قال تعالى "قُلْنا احْمل فيها من كلٍ زوجْين إثنيْن وأهلك إلاَّ من سَبَق عليه القول ومَنْ آمن وما آمَنَ معه إلا قليل"، هذا تعايش بين العائلة البشرية قاطبة من إنسان وحيوان وغيرهما.
وهناك رأي علماء الاجتماع ممن يرى التعايش بين أفراد الأقليات في البلاد غير المسلمة إلا أنه يُشكر عندما أراد لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني جمع المثقفين والإعلاميين والمفكرين وقبلهم علماء الشريعة للتباحث حول التعايش المجتمعي وآثره في الوحدة الوطنية، والجلوس حول مائدة الحوار بين العلماء والمثقفين والمثقفّات، للوصول إلى نقاش يثري هذا الطرح المؤصل الذي أنظر إليه على أنه مرتجع وعودة للحوارات التي سبق للمركز التباحث حول عدد من الموضوعات فيها، ولكن هذه المرّة بطريقة ورش عمل على مدى أيام طويلة للوصول إلى رؤية تخدم التوجه الوطني الذي يقوده المركز على كل الاتجاهات. ويُحسب للمركز أن طرح هذا الموضوع الذي تَتجلّىْ أهميته في عصرنا الحاضر مع ما تعَيشْه المملكة من انفتاح على العالم، وكون العمرة على مدار السَّنْة، وانفتاح التجارة على الدول الصديقة، فقد أصبحنا نحن بحاجة إلى معرفة الآخر، ونشر مفاهيم التسامح والوسطية والاحترام التي جاءت بها شريعتنا وهي قواسم مشتركة مع الديانات الأخرى كان المركز قد تناولها في عدة مناسبات محلية وعالمية، وهذا دور المركز العملاق الذي أطلقه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، وتواصل على دعمه الملك سلمان بن عبدالعزيز، وفقه الله.
وما جعلني أتوقف عند هذه الأسْطر التي تسّجلُ أهمية التعايش المجتمعي علينا تذكر كيف نبني عقول شبابنا تجاه هذه الكلمة؛ التعايش، وكيف تقنعُه بأن تكون رسالته في المدرسة وبين أقرانه، وفي زياراته حتى تصل إلى ذهنيته وتعيش معه طوال حياته، ولقد أزعجني أن غيرنا ومن جيراننا قد بدؤوا هذا المشروع، ولكن وبكل أسف بطريقة تأخذ الأطفال إلى جانب الحقد والكراهية والبغضاء للآخر، وهذا ما زرعه الحوثيون في عقول الأطفال، وقلت أين نحن من أشبالنا وأبنائنا ولمَ لا تَقوُم المؤسسات المعنية تربويا بتبيين هذه المفاهيم وغرسها في عقول الشباب قبل أن يُسدل الستار العمُرْي وحينها لا تُجدي المحاولات، فالطفل الصغير عجينة سهلة ووعاء يستقبل وبحاَفْظة جيدة كل ما حوله تعليما وثقافة أو العكس لا قدر الله.
إن ما فعله هؤلاء الحوثيون في عقول أبنائنا الشباب في اليمن الشقيق يعتبر أحد الأسلحة التي بها يحارب الفكر المعتدل والوسطي.
ولئلا نفقد بوارق الأمل الموجودة فإن ما يصنْعُه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يصّب في جانب من أنشطته على هذا التوجه، وهو إعطاء الشباب مزيدا من الثقافة والتعليم، من خلال تحديث وحدات المركز، وإعطاء مساحة للتواصل الاجتماعي وتقنياتْ العصر حتى تؤدي دورها في صفوف الشباب وهم المستهدفون بكل تأكيد من قيام المجتمع برسالته عبر مؤسساته المختلفة، ومنها هذا المركز الوسطي الذي شمل كل أطياف المتجمع، وتبقي المسؤولية أيضا أمام رجال التربية والتعليم ومنابر المساجد ووسائل الإعلام، كل له دوره تجاه جيل المستقبل الطفل، وهي مهمة شاقة نذر المركز نفسه أن يتحملها مشكورا ودمتم بخير.