في بادرة استبشرت بها الأسرة خيرا أبلغني مدير المدرسة بأن ابني حصل على المركز الأول على مستوى منطقة مكة المكرمة في مسابقة الإلقاء والحوار باللغة الإنجليزية!
وبعد أسبوع آخر أتاني الابن بخطاب من المدرسة يفيد بأنه تم اختياره ليشارك في ملتقى الحوار الذي استضافته إدارة تعليم منطقة الجوف، والذي سيُحدد من خلاله الفائز على مستوى المملكة.
انطلق الشباب المتفوقون من جميع مناطق المملكة ومعهم ابني إلى مسرح إدارة تعليم الجوف ومعه 3 ملازم حول موضوع (دور الشباب في تحقيق رؤية المملكة 2030 باللغة الإنجليزية) بناء على توجيه المشرف المرافق معه..
كان (ملهم) متحمسا جدا لهذه المسابقة الحد الذي جعله يتقبل فكرة غياب 3 أيام من المدرسة من أجل منافسة شريفة مع أبناء بلده، فقلت لعلي أن أتواصل معه لأسمع آخر أخباره:
(هاه بشر يا ولدي كيف الأمور؟
والله للأسف يا بويه جدا سيئة!!!
أنا ما رحت يا بويه مع الوفد لأنه سار (تتش) بيني وبين الأستاذ اللي ينظم الملتقى!!)
وبعد هذه الأخبار التعيسة استوضحت منه الأمر بعد أن استعاد أنفاسه، فعلمت أن ابني وهو يصعد على خشبة المسرح سأل الأستاذ المنظم للملتقى عما إذا كان يتوجب عليه أخذ ملزمته التي عكف على تنقيحها شهرا ونيفا، فرد عليه المعلم بعلوية: (أنا هنه أسوي اللي أبغاه)!!
ولما كان هذا الرد لا يرقى لذائقة أي كائن بشري (محترم) ولا يقدم جوابا على تساؤل صبي متحمس ومتفوق، قرر الابن أن يرد في كل سؤال لا يمت للمسابقة بصلة بـ(لا أعلم يا أستاذ!)، وحين تكرر منه ذلك مرتين أو ثلاث سأله ذلك المعلم (وكأنه لا يعلم عن السبب): ليش ما تشارك زي زملائك فأجابه: لأنني أتصرف على كيفي مثلما تتصرف أنت على كيفك!
الحقيقة أنني انزعجت ليلتها كثيرا ووصلت لفوائد كثيرة من هذا الموقف الغريب وغير المقبول ومنها:
1 - إن إلغاء مسابقة وطنية وتحويلها لمجرد ملتقى بلا أجندة فيه استخفاف بعقول صبية متحمسين ومتفوقين جاؤوا وفقا لترتيب معين وانتهى بهم الحال لفوضى من هذا النوع!
2 - إن الملتقى لم يكن محضرا له أصلا: تخيلوا أن المعلم يسأل الطلاب وهم على خشبة المسرح: ما الذي تريدوننا أن نتحدث عنه؟ هل لديكم أفكار؟ هل بإمكانكم الحديث مع بعضكم دون اقتراح لموضوع أو إشراف منظم على لقاء شدت له الرحال وغيب لأجله طلاب! هنا ينتحر الإبداع!
3 - إن الاستخفاف بعقول النشء أمر غاية في الخطورة، فهو يسقط هيبة معلميهم ويفقدهم ثقتهم بإداراتهم، ويخلق جيلا متمردا على الوعود، وشاكّاً بكل هدف يوسم بأنه تربوي.. وهنا تصادر الثقة!
4 - أين إدارة تعليم الجوف من هذا؟ بل أين وزارة التعليم من تخبط كهذا؟ إذا كان هذا التعامل مع (النقاوة) من البراعم فكيف سيكون مع بقية الطلاب الأقل حظا من ناحية الإبداع؟ قطعا هنا ستذوب المهنية!
5 - ثم لماذا هذا الهدر المالي؟ انتدابات لمشرفين، أوامر إركاب لطلاب، إشغال للناقل الرسمي، إسكان، تضييع لأوقات الطلاب، تغييبهم عن مدارسهم، انشغال أهاليهم!! هل حصل كل هذا من أجل أن يكتفي القائمون على تلك التظاهرة بالتقاط عشرات الصور يثبتون فيها أنهم يقومون بأعمالهم خير قيام! أين الأمانة؟