لو رجعنا في الزمن إلى العصور السابقة، ومنذ كان الناس يركبون البغال والحمير فإننا نجد أن ثمة علاقة بينهم وبين الخرافة والأساطير، فالخرافة آنذاك كانت الحقيقة الوحيدة التي يؤمن بها بنو البشر، حيث يقودهم ويشرف عليهم مجموعة من الكهنة يتسمون بقدرات خارقة كالسحر والشعوذة والتواصل مع الجن، وتقص الكثير من القصص الخيالية التي لا تخطر بعقل الأشخاص الطبيعيين! في الحقيقة نحن أمام معادلة ذات تناسب عكسي تقول بأنه كلما زاد العلم قلت الخرافة، وشعوب العالم اليوم وبفضل التقدم والتطور العلمي والثقافي، استطاعت التخلص من الخرافة؛ وشعوب أخرى كشعوبنا ما زالت فيها هذه الثقافة تسكن عقول الكثيرين. فلنأخذ مثال الجن كونها مسألة تحتل مساحة كبيرة في وعينا الشعبي، وهنا أطرح بعض الأمثلة:
-1 دورات المياه مليئة بالجن، وينصح دائما بعدم سكب الماء الساخن في زوايا الحمام ولا نعرف السبب لماذا الماء الساخن؟ ولماذا استقرار الجن في زاوية الحمام وليس في مقدمته أو المؤخرة؟
-2 ينصح بعدم التعرض للقطط السوداء لأنها مسكونة بالجن ولا أعلم، ما سر عشق الجني للون الأسود؟
3 - كثيرا ما ينصح الذهاب إلى الراقي في المشاكل الزوجية، وكأن الجن كل همهم "خراب البيوت"، فتجدهم يتلبسون المرأة المتزوجة تارة والمرأة غير المتزوجة تارة أخرى، فتجدهم دائما يعيشون حالة العشق والغرام!
4 - الجني دائما ما يتلبس البشر في الدخول من خلال الإصبع الصغرى من الرجل اليسرى ويخرج من العين ويمكن أن يفقد الإنسان البصر!
5 - الجن لهم أديان وجنسيات وثقافات مختلفة، فتجد الجني المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي، وكذلك الجني السعودي والمصري والهندي والإيراني والصيني والجني الملتزم والمتطرف والليبرالي!
-6 نسمع دائما بالـ"مخاوي"، وهي لفظة تدل على الشخص الذي يملك علاقة وطيدة مع الجن، يتواصلون مع بعض عن طريق التلفون أو تطبيقات "الواتس" أو "تويتر"!
-7 الجن لهم طلبات تتماشى مع العصر، ففي الماضي كانت طلباتهم إحضار شعر لجسم الآدمي أو منقار بط الآن أصبح يطالب بآيفون 7 وجالكسي!
في الحقيقة كل ما ذكرته ليس سخرية أو مبالغة، ولك أن تنظر إلى حلقة الإثنين الماضي في mbc مع الأستاذ داود في ثامنته، وعلى مدار ساعة تم النقاش فيه مع بعض الرقاة وأحد الأطباء النفسيين عن مسألة وجود الجن من عدمها، إذ قال أحد الرقاة "حدثت بعض الحالات النادرة التي استخدم فيها الجن واتساب، وذلك بعد تلبسه الإنسان، حيث سبق أن قام الجن بإرسال مقطع فيديو عبر واتساب بعد تلبّسه سيدة"! ثم دار النقاش بأن هناك بعض القطط يتكلمون.. ويعلق الزميل "أبو محمد" هذا "ديزني"! ثم جاء الحديث عن جنسيات الجن!
قد يقول قائل بأن الجن موجود، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم، بل هناك سورة تحمل اسم الجن؛ نعم، لكن غير الموجود هو تحديد ماهيته وكيفية تشكله وظهوره. إذن المطلوب منا بكل بساطة أن نؤمن بالجن كموجود ثابت كما جاء في ديننا، من دون الدخول في حيثيات التشكل والظهور العيني تماما كما نؤمن بوجود الروح التي هي حالة ربانية ما ورائية صرفة، وغير خاضعة للعقلنة والتحليل والتفكير.
أخيرا أقول للمرضى: زيارة الطبيب النفسي لا تعني أبدا ضعف الإيمان، لكن زيارة تجار الوهم والخرافة تعني حتما ضعف العقل.