قالت عنه دورية (وورلد ريفيو)، وفي موقعها الإلكتروني، إنها رصدت ما يقرب من 3 آلاف مقال حول العالم قبل أن ينقضي اليوم الأول لوفاته. تضيف: نحن هنا نتحدث عن رقم قياسي لم يحدث من قبل لشخصية عامة. هو كل نقائض المكون الإنساني في التركيب والطباع. تكتشف مثلا، أنه قطع الاتصال مع الحليف الروسي التاريخي لعامين متتاليين منتصف ثمانينات القرن الفائت، بعد تقرير نشرته صحيفة (البرافدا) عن حياته الشخصية المترفة الباذخة، وكيف يبدأ وجبته بملعقة من أجود كافيار بحر قزوين الشهير، وكيف ينهي الوجبة بأغلى وأندر سيجار (كوبيها) الهافاني الفاخر. كل هذا وهو الشيوعي الاشتراكي الذي خطب مرة في الجماهير لـ7 ساعات و12 دقيقة في ميدان الثورة الشهير في هافانا، ثم قيل إنه استهلك 17 كوبا من الماء في ثنايا أطول خطاب شفهي ورد في تاريخ الإنسانية. تقول الأرقام إنه ردد كلمة (الحرية) في ذات الخطاب القياسي التاريخي (273) مرة، وهنا الدهشة: ربع سكان هذه (المفردة) يعيشون اليوم في جنوب فلوريدا الأميركية بينما تضمlittle havana أو هافانا الصغرى في مدينة ميامي أكبر كثافة سكانية تعيش في كيلومترين مربعين كرقم قياسي للكثافة على كل خرائط السكان الأميركية. 3 من كل 5 مواطنيين كوبيين يحلمون طوال حياتهم بمنافذ الهروب والهجرة. واحد فقط من بين كل 8 مواطنين كوبيين لديه حساب بنكي، ولكن خذ على النقيض: تمتلك كوبا أفضل نظام صحي بين دول الأميركتين بما فيها حتى كندا والولايات المتحدة.

عاش فيدل كاسترو مثل كتلة (مغناطيس) جبارة. وحينما هوى (مارادونا) في براثن الإدمان ذهب للعلاج في قصر من أسماه (الرفيق الخالد). تعهد مارادونا ببناء أكبر تمثال في التاريخ وقيل إنه ذهب للعراقية الشهيرة (زها حديد) لتصمم له تمثال كاسترو بحجم 10 أضعاف تمثال الحرية في نيويورك لكنها رفضت الفكرة. وحين تعافى مارادونا نسبيا ترك هافانا بؤرة للشيوعي الأخير وذهب إلى أبراج دبي. اعتذر مارادونا بالأمس عن حضور جنازة كاسترو لضيق الوقت، وللصدفة أيضا، تبعه فلاديمير بوتين لابسا نفس العذر. كاسترو هو ذات كتلة المغناطيس التي جذبت لمحيطها عمالقة الأدب العالمي مثل إرنست همنجواي وماركيز وكاستيلا، وكلهم لاتينيون أو أميركيون فازوا بنوبل. ولكن من يصدق أن شخصا مثل الأميركي (بوب دولان) الفائز بأدب نوبل لهذا العام بكى ليلة ما قبل البارحة على شاشة التلفزيون قائلا عنه: كان كاسترو إسهاما للقيم الإنسانية الخالدة. هنا يصعب الانحياز في تحليل وتفكيك هذه الخرافة: هل تنحاز إلى همنجواي وماركيز ودولان أم إلى الآلاف من جثث الأطفال والنساء الذين ماتوا غرقا على قوارب الهروب الصدئة نحو الموانئ الأميركية القريبة؟ هل تنحاز إلى الفرحة العارمة في (لتل هافانا) شرق ميامي أم إلى الطوابير الطويلة التي يستغرق فيها الفرد 4 ساعات ليلقي على الجثمان المسجى نظرة الوداع الأخيرة؟ وهنا سأنحاز إلى الفطرة بداخلي التي تكره جمهوريات الخوف مثلما تنفر على الدوام من أرباب الخطب العصماء الطويلة. أشعر على الدوام بالشك في كل من يفرط في استخدام كلمة (الحرية).