كلنا نعلم أن ما انتهى إليه أمر قيادة المرأة ِالسيارةَ هو أن القرار بيد المجتمع.

بعضهم، لكي يحسم المسألة، يقترح عرضها على مجلس الشورى أو هيئة الإفتاء أو إجراء استفتاء شعبي، وبما أن الشورى والإفتاء هما مؤسستان رسميتان فلا يصلح عرض الأمر عليهما فحينها ستدخل الدولة كمشرع عبر هاتين المؤسستين، كما أن صدور أي توصية أو فتوى سيجعل التراجع عنها أمرا صعبا، ولذلك فقد أحسنت الدولة صنعا بترك القرار للمجتمع نفسه. أما مسألة الاستبيان فهي غير ذات مصداقية، ليس فقط لأن الطرف الرئيسي وهو النساء لا يملك غالبيتهن بطاقات هوية وطنية مستقلة تسمح بالتحقق من صوتها، وإنما أيضا لأن الرجال هم الذين سيصوتون نيابة عن نسائهم، إما فعلا وإما بتوجيههن بتوجيهات ملزمة!

قبل سنتين تقريبا أكد مدير عام المرور أن نظام المرور يتحدث عن السائق بصرف النظر إن كان رجلا أو امرأة، لكنه في نفس الوقت أكد أن المرور لن يسمح للنساء بالقيادة، لأن هناك "تعليمات بالمنع". هذا المنع لم يشمل المجتمع في البادية، لأنه اتخذ قراره وأباح لنسائه قيادة سياراتهن بدون رخصة، وهي مفارقة عجيبة عصية على فهم العقلاء.

يبقى المجتمع في الحواضر، كيف يتخذ قراره؟ كيف سيجتمع المجتمع؟ وأين؟ ومتى؟! بعض نساء المجتمع المتحضر حاولن تجربة السواقة لكن تم القبض عليهن، وأخذ تعهدات منهن ومن أولياء أمورهن بعدم العودة.

لمساعدة المجتمع في اتخاذ قراره يمكن لإدارة المرور أن تفتح الباب لمن ترغب في الحصول على رخصة قيادة سيارة، مثلما حصل تماما حين فتحت الأحوال المدنية الباب لمن ترغب في الحصول على بطاقة هوية وطنية أو جواز سفر. هل المسألة بهذه البساطة؟ أكيد بهذه البساطة لولا أن إدارة المرور لديها "تعليمات بالمنع".

بعد تعليمات المنع وتكرر القبض فرغت يد المجتمع من قرارها. يبقى الأمل في الاختراع الحديث، سيارة بلا سائق، وعلينا أن نحسم الأمر من الآن، هل نسمح للمرأة بالركوب فيها أم لا؟.

"القرار بيد المجتمع" أمرٌ لم يعد ذا جدوى.