بين "تأكيد" المسؤولين البنغلاديشيين على قيام بلادنا بطلب عشرة آلاف طبيب بنغلاديشي، و"نفي" وزارة الصحة السعودية ذلك جملةً وتفصيلًا.. تعود حكاية توطين مهنة الطب في بلادنا لتطل برأسها مجددًا.. وتعود معها كل الأسئلة القديمة المتجددة:
ماذا يُقصد باكتفاء كلية الطب التي نسمعها كل موسم، وما هو معنى "محدودية المقاعد"؟ ومن يستطيع أن يشرح للمواطن: ما معنى مفردة اكتفاء؟!
من هذا الذي يحدد -تبعًا لقناعات ودفاتر قديمة- عدد مقاعد كليات الطب في بلد يعاني فقر الأطباء والطبيبات من أبنائه وبناته؟
حينما أرادت بلادنا توطين مهنة التعليم تحقق لها ذلك خلال 10 سنوات تقريبًا على الرغم من الحاجة الكبيرة حينها، اليوم تستغرب حينما تجد معلمًا وافدًا في إحدى مدارس بلادنا.. أنت لن تجد أصلاً.. ما الذي يمنع توطين مهنة الطب في ظل امتلاكنا لكل المقومات، وفرض اشتراطات عالمية عالية على المدخلات والمخرجات؟
اترك هذا المقال، انزل للشارع الآن واعرض هذه العقبات على أول مواطن سيقابلك على الرصيف، سيقول لك بسخرية: المباني باستطاعتنا إنشاؤها.. بدل أن يكون لدينا مبنى لا يتسع سوى لـ30 طالبا نستطيع أن نُقيم مبنى يتسع لـ100 طالب وطالبة! بدلا من أن يكون لدينا هيئة تدريس لـ30 طالبا نستطيع التعاقد مع هيئة تدريس متميزة تستطيع تدريس ألف طالب وطالبة!
ولا يعني ذلك -ركز معي- الإخلال بمعايير القبول، أو جودة المخرجات.
كلما شاهدت تزاحم الأطباء الوافدين في ممرات مستشفياتنا أتذكر المثل الشعبي الساخر: "قال خذ رزق.. قال ما معي ماعون"!
حينما يتقدم أبناؤك المؤهلين لكلية الطب وتقوم برفضهم، وطردهم مع الباب؛ بحجة الاكتفاء، ثم تقوم بإدخال الأجنبي مع النافذة؛ فهذه نكتة موسمية باردة!
لا نملك القدرة على فرض حلولنا.. لا نملك سوى تكرار الأسئلة: إلى متى وأحلام الشباب السعوديين تتحطم على صخرة القدرات الاستيعابية لكليات الطب؟ إلى متى ووفود التعاقد تجوب بلاد الله بحثا عن الأطباء؟