بعد تأكيد الرابطة الدولية للحديد الصلب في الشهر الماضي على تزامن انخفاض أسعار الحديد الصلب مع ارتفاع إنتاجه العالمي بنسبة 3.3% إلى 137 مليون طن، مقارنة بنفس الفترة للعام الماضي، تزايدت الشكوك الخليجية من ممارسات الصين المشوهة للتجارة، الهادفة لتخفيض أسعار صادراتها لكسب حصة أكبر في الأسواق الخليجية، خاصة بعد ارتفاع إنتاج الصين من الحديد الصلب بنسبة 4% لتسهم بنحو 48%من إنتاجه العالمي.

وتأتي هذه الشكوك نتيجة عدم التزام الصين بتعهداتها بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية قبل 15 عاما، حيث تواجه 36% من المنتجات الصينية اليوم أكثر القضايا المرفوعة ضدها في هيئة حسم المنازعات التجارية بالمنظمة، ليفوق عددها 500 قضية مقامة من قبل 30 دولة، تم إثبات 86% ونتج عنها تكبد الصين غرامات بحوالي 11 مليار دولار أميركي.

لا شك أن انخفاض أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية وتباطؤ النمو الاقتصاد يشجع الصين على استخدام الممارسات المشوهة للتجارة بهدف التخلص من مخزونها التراكمي وزيادة نفاذ صادراتها في الأسواق الخليجية لجني العملة الصعبة وترجيح كفة الميزان التجاري لصالحها. إلا أن تشعب هذه الممارسات وتباين أنواعها، المتمثلة في الإغراق أو الدعم أو الزيادة غير المسوغة في الواردات، يحتم على الدول الخليجية ضرورة التأكد من مسبباتها والتحقق من أغراضها وعدم الخلط بين أنواعها قبل التظلم من نتائجها ورفع الدعاوى ضدها.

فالإغراق يهدف إلى تصدير المنتجات الأجنبية للسوق المحلي بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية، التي تعادل تكاليف إنتاجها وشحنها والتأمين عليها، مما يتوجب علينا التأكد من هامش الإغراق، الذي يساوي الفارق بين القيمة الحقيقية للمنتجات الأجنبية وأسعار بيعها في السوق المحلي، أو أسعار بيعها في أسواق منشئها. ومن ثم علينا إثبات العلاقة السببية بين هامش الإغراق والضرر الجسيم الناتج عنه، وذلك قبل اتهام المنتجات الأجنبية بالإغراق ورفع القضايا ضدها وتطبيق الرسوم المضادة عليها.

أما الدعم فهو المساهمة المالية المباشرة التي تتلقاها المنتجات الأجنبية في بلد المنشأ، أو التي تحصل عليها من مدخلات مدعومة، أو التي يتم تزويدها باعتمادات تصديرية ومعدلات فائدة مميزة، مع إعفائها من الرسوم أو الضرائب. وهنا أيضا يتوجب علينا، قبل اللجوء للتقاضي، إثبات قيمة هذا الدعم المحظور وضرره الجسيم على المنتجات الخليجية والعلاقة السببية بينهما.

وتُعَرَّفُ الزيادة غير المسوغة للواردات بأنها نسبة الزيادة السنوية المطردة لنفاذ المنتجات الأجنبية في السوق المحلي، التي يجب ألا تفوق 3% من صادرات دولة واحدة، أو 9% كأقصى حد من مجموع صادرات عدد من الدول. وهنا أيضا لا بد من إثبات نسبة هذه الزيادة بشكلها المطلق ومقدار الضرر الجسيم الذي ألحقته بالمنتجات المحلية أو قد تهدد بإلحاقه مستقبلا، والعلاقة السببية بينهما.

ونظرا لهذا التباين المعقد في هذه الممارسات، فإن المنتجات الوطنية المتضررة تقع فريسة سائغة للخلط بينها، لعدم التفريق بين واقعة الإغراق أو الدعم أو الزيادة غير المسوغة للواردات، مما يؤدي إلى صد دعاواها وتكبدها مزيدا من الخسائر. لذا يتوجب على منتجي الحديد الصلب الخليجيين، قبل اللجوء لهيئة حسم المنازعات التجارية في المنظمة، ضرورة تحديد نوع هذه الممارسات، وهل ترتقي لواقعة الإغراق وما هو هامشه، أو هل حصلت على الدعم المحظور وما هي قيمته، أو هل ارتفعت وتيرة استيرادها في الأسواق الخليجية بنسبة زيادة سنوية غير مسوغة وما هي نسبتها. كما على المصانع الخليجية تحديد وتقييم الضرر الجسيم الواقع على منتجاتهم بسبب هذه الممارسات، وعلاقته السببية بهامش الإغراق المثبت، أو قيمة الدعم المحظور الموثق، أو نسبة الزيادة غير المسوغة في الصادرات، أو جميعها معاً.

ومع أن كل المعلومات المتوفرة اليوم تشير إلى أن مبيعات الحديد الصيني في السوق السعودية بأسعار زهيدة أدت إلى انخفاض الإنتاج المحلي لحديد التسليح من 11 مليونا إلى نحو 9 ملايين طن خلال الفترة الأخيرة، إلا أن الحقائق غير المكتملة والمؤكدة طبقا للسياسات الثلاث المذكورة أعلاه تجعل من الصعب الاعتداد بواقعة الإغراق في السوق السعودية للأسباب الآتية:

أولاً: إن الفرق الواضح بين أسعار الحديد الصيني المستورد وأسعار المنتج محليا، لا يعتد به في الاتفاق الدولي الخاص بمكافحة الإغراق، لعدم احتساب هذه المصانع لهامش الإغراق، ولعدم معرفتها بالقيمة الحقيقية للمنتج الصيني المماثل. كما أن العلاقة السببية بين واقعة الإغراق والضرر الجسيم الواقع على المصانع السعودية يتطلب بيانات مالية موثقة ومعتمدة من قبل المحاسبين القانونيين المحايدين.

ثانياً: إن تجاوز حجم الصادرات الصينية من الحديد إلى المملكة نسبة 64% من فائض حاجة السوق السعودية الفعلية لا يعني ثبوت واقعة الإغراق بمفهوم القانون التجاري الدولي، وإنما قد يتفق حكما مع مفهوم الزيادة غير المسوغة للواردات، إذا أثبتنا أنها تتزايد سنويا بنسبة تفوق النسبة القصوى 3%، وذلك لأن هذه الزيادة تضيف عبئا على الإنتاج السعودي، الذي يغطي نحو 140% من حاجة السوق. لذا فإن هذه الزيادة السنوية ترهق كاهل السوق السعودي بواردات الحديد الصيني وتؤدي إلى تشبعه بنسبة 200%، لتلحق الضرر الجسيم بالمصانع السعودية أو تهدد مستقبلها.

لحماية أسواقنا الخليجية من الممارسات الضارة للواردات الأجنبية، والنجاح في قضايانا التجارية أمام المحاكم الدولية، لا بد من تحديد نوع هذه الممارسات والتأكد من علاقتها السببية بالضرر الجسيم الواقع على مصانعنا الخليجية.