صديقه القديم تطلع إلى وجهها الحزين، وقال إن جون ناش محظوظ لأنك زوجته. التفتت بعيداً وهمست: وأنا أيضاً. لكن عالم الرياضيات الذي دست منديلها في جيب سترته القريب من القلب زاعمة أنه سيجلب له الحظ؛ ضغط على المنديل، وهمس: أنا لا أؤمن بالحظ.
كثير من التلميذات يقعن في حب أساتذتهن بشكل أو بآخر، لكنه لم يكن أستاذاً جامعياً مرموقاً أو حتى متباهياً لتحبه فتاة جميلة وذكية كإليشيا، لكن في تلك اللحظة التي اصطدمت به بعد تغيبه عن محاضرته، وعدم اطلاعه على واجبها، وجلوسه مرتبكاً من جمال عينيها الغاضب دعاها لتقلب النقاش، وتطلب منه أن يتعشى معها.
ناش الذي ترتجف يداه دائما نظر إلى كفيه، ثم إلى وجهها الجميل، وطلب أن يدعوها هو لتخرج من مكتبه، موقنة أن هذا الرجل الذي لا يحب سوى الأرقام أوقعها في غرامه.
لم تمر سوى فترة قصيرة حتى علمت أليشيا أن زوجها يعاني من الفصام، وأن صديقه ورفيق مسكنه ليس إلا هلوسة من صنع خياله. دخل ناش مستشفى الأمراض العقلية وبقي رهين الأدوية، لكنه ترك العلاج ليعود المرض إليه.
لكن لحظة حاسمة قام فيها أبطال هلوساته بدعوته إلى قتلها وهي تقف ترتجف أمامه محتضنة صغيرها جعلته يدرك أنه يهلوس وألا وجود لصديقه ولا ابنة أخته أو موظف الاستخبارات، ليبدأ مرحلة أخرى من العلاج كانت يد إليشيا فيها دائما تمتد عبر الطاولة وتحتضن كفه.
أنقذ الحب جون ناش وأعاده ليعمل باحثا في جامعة برينستون الأميركية بفضل أحد زملاء دراسته الذي كان يعتقد أن جون مجنون وعبقري، لكن الجامعة لم تمنحه مكتبا، بل تركته يعمل في ركن من المكتبة، ويكتب معادلاته على النوافذ، لكنه كان قرارا جيدا لأن الطلاب بدؤوا رغم سخرية بعضهم استشارته في أبحاثهم والتوافد على ركنه، وبدأ يكتشف أن الشيء الذي يكرهه دائما -وهو التدريس- ليس شيئا كريها، بل قد يساعده كباحث ليعود شيخا إلى الفصل مرة أخرى.
لم يتم تقدير نجاحات جون ناش، وظل يعاني من التهميش، لكن زملاءه دائما كانوا يؤمنون بجدارته، وأن مساهماته العلمية ساعدت في ظهور الكثير من الإنجازات العلمية، لذا منحوه أقلامهم كتعبير أكاديمي راق في جامعة برينستون -جامعة الرياضيات كما يسمونها-.
لكن ضوءا جاء من النفق ليحصل هذا المقاوم العنيد للآلام النفسية على جائزة نوبل في الاقتصاد، تكريما لجهوده في نظريات الألعاب والتفاضلية، وتأثيرها على التفاوض.
في الحقيقة أن معظم أفكار ناش التي حققت له هذا الإنجاز صنعت في اللحظة التي خالط فيها الناس، بينما كانت مشكلته الكبرى عدم قدرته على مخالطتهم، لذا وجود إليشيا معه وإيمانها به صنع الفارق، ولو أنها تخلت عنه لقضى عمره في مستشفى المجانين.
عندما وقف جون ناش ليتلقى الجائزة جعل كلماته للسيدة الجميلة التي جلست تنظر نحوه بعينين دامعتين. تحدث عالم الرياضيات عن الحب وعن عجز الرياضيات عن تبرير الحب أو حتى ربطه بالمنطق، ثم وصف حبه لها الخالي من المنطق كأعظم اكتشاف له، وأنها هي كل الأسباب التي جعلته يحصد نوبل.