أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أن الإصلاحات الاقتصادية تعتمد على إعادة توزيع الموارد بشكل عادل، موضحا أن رؤية 2030 تهدف إلى تقديم سبل العيش الكريم للمواطنين. وأشار الملك سلمان في كلمته أمس، التي افتتح بها أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، أن المملكة تدعم أي حل سياسي للأزمات الدولية لإتاحة المجال لجهود التنمية، مؤكدا مواصلة التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي. وأضاف خادم الحرمين الشريفين أن سياستنا الداخلية تقوم على تنويع مصادر الدخل ورفع إنتاجية المجتمع، مشيرا إلى أن الظروف التي نمر بها حاليا سنتجاوزها مستقبلا، وأن أمن اليمن من أمن المملكة، ولا نسعى للتدخل في شؤونه الداخلية. وشدد الملك سلمان على تسخير إمكانات الدولة لحماية الأمن والمجتمع وخدمة الحرمين الشريفين، مؤكدا أن المملكة قامت على كتاب الله وسنة رسوله، وستواجه كل من يدعو للتطرف أو الغلو في الدين.
ولدى وصول خادم الحرمين الشريفين إلى مقر مجلس الشورى في الرياض، كان في استقباله أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ومستشار وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، ورئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ. وفور وصول خادم الحرمين الشريفين عزف السلام الملكي، ثم صافح خادم الحرمين الشريفين مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وكبار المسؤولين في مجلس الشورى.
وبعد أن أخذ الملك سلمان بن عبدالعزيز مكانه بالمنصة الرئيسية، بدأ الحفل الخطابي بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
إنجازات الشورى
ألقى رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ، كلمة رحب فيها بخادم الحرمين الشريفين في افتتاح أولى سنوات دورة المجلس السابعة ضمن مسيرته المتجددة في تاريخ بلادنا العزيزة. وقال آل الشيخ "مع مشاعر البهجة والسرور، ووسط آمال تتجدد نحو مستقبل زاهر، يتشرف مجلس الشورى اليوم برعايتكم - حفظكم الله - لتفتتحوا على بركة الله بداية مرحلة جديدة لهذا المجلس، تضاف لمراحل سابقة أسهم فيها المجلس مع الأجهزة التنفيذية للدولة في مسيرة التنمية والتطوير في ظل التوجيهات الكريمة والإرشادات السديدة. وأضاف أن مسيرة التنمية والبناء التي تقودونها - أيدكم الله - بكل حكمة واقتدار ما هي إلا أحد معالم هذا العهد الزاهر وثمرة من ثمرات النهج المبارك لهذه البلاد الطيبة، وها هي الإنجازات والعطاءات لشعبكم الوفي تتوالى يوما بعد يوم، وقد أعلنتم - رعاكم الله - عن إطلاق رؤية المملكة 2030، التي رسمتم من خلالها مسيرة فريدة في التخطيط والبناء والتنمية، من أجل المضي قدما نحو دولة رائدة في كافة المجالات، مبينا أنه على الصعيد الخارجي تتنامى - ولله الحمد - يوما بعد يوم مكانة المملكة، ويزداد ثقلها على الساحة الدولية بما تتخذه المملكة بتوجيهاتكم الكريمة من مواقف مشرفة وسياسات معتدلة تجاه قضايا المنطقة والعالم.
واستعرض آل الشيخ ما أنجزه المجلس في السنة الماضية "السنة الرابعة من الدورة السادسة" من مشروعات الأنظمة واللوائح والاتفاقيات والتقارير والخطط وفقا لاختصاصاته التنظيمية والرقابية، وذلك من خلال 66 جلسة، كان نتاجها 186 قرارا تمثلت في 20 قرارا تتعلق بالأنظمة واللوائح، و67 قرارا تتعلق بالتقارير السنوية، و85 قرارا تتعلق بالاتفاقيات ومذكرات التفاهم. كما شملت خمسة قرارات تتعلق بتشكيل لجان المجلس المتخصصة واللجان الخاصة، وقرارين يتعلقان بالاستراتيجيات والخطط، إضافة إلى سبعة قرارات تتعلق بمقترحات الأعضاء.
تعديلات على الأنظمة
أشار آل الشيخ إلى أن أهم مشروعات تعديلات الأنظمة التي درسها المجلس، تعديلات على نظام العمل تتعلق بساعات العمل وأيام الإجازة، وتعديلات على نظام تبادل المنافع بين نظامي التقاعد المدني والعسكري ونظام التأمينات الاجتماعية، وتعديلات على نظام خدمة الأفراد ونظام خدمة الضباط تتعلق بالتعويض الذي يعطى للأفراد أو الضباط الذين تلحقهم خسارة مادية بسبب عملهم أو قيامهم بتأديته أو قيامهم بمهمة رسمية. وفيما يخص مشروعات الأنظمة التي درسها المجلس، فتمثلت في مشروع نظام البيع بالتقسيط، ومشروع نظام رعاية الأحداث، ومشروع نظام حماية المال العام "مشروع النظام الجزائي للاعتداء على المال العام". وثمن رئيس مجلس الشورى أهمية التعاون والتكامل بين سلطات الدولة، تعزيزا لأدوار مجلس الشورى المنوطة به وفق نظامه، حيث حضر عدد من الوزراء والمسؤولين في الأجهزة الحكومية المختلفة إلى مجلس الشورى ولجانه المتخصصة خلال السنة الرابعة من الدورة السادسة، لمناقشة ما يخص أداء الوزارات والأجهزة الحكومية التي يمثلونها.
مواكبة رؤية 2030
بين آل الشيخ أن المجلس عمل على مواكبة رؤية المملكة 2030 سعيا منه لتحقيق أهدافها التنموية الشاملة، حيث قام المجلس بتعديل وتحديث لجانه المتخصصة واختصاصاتها الموضوعية لتكون متوافقة مع هذه الرؤية الطموحة ومتفقة مع أوامركم الكريمة بإعادة هيكلة بعض الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة، واستمر المجلس في التواصل مع المواطنين لعرض قضاياهم على لجان المجلس المتخصصة لمناقشتها وإيجاد الحلول اللازمة وفق نظام المجلس ولوائح عمله.
جهود دبلوماسية برلمانية
أبان آل الشيخ أن المجلس عمل على مواصلة عمله الدبلوماسي البرلماني، الذي حقق على مدى السنوات الماضية - بفضل الله - ثم بفضل التوجيهات الحكيمة والدعم المبارك نجاحات في توطيد العلاقات البرلمانية مع المجالس والبرلمانات المماثلة في الدول الصديقة، وكذلك مع المنظمات والاتحادات الإقليمية والدولية أو من خلال الزيارات التي يقوم بها مسؤولو وأعضاء المجلس، أو لجان الصداقة البرلمانية التي شكلت لتعزيز أواصر الصداقة مع الدول الشقيقة والصديقة أو من خلال ما يتم من الاجتماع بالوفود البرلمانية الزائرة من مختلف الدول. كما كان للخطط الدبلوماسية البرلمانية التي تبناها المجلس دور في بيان الجهود التي تقوم بها المملكة في محاربة الإرهاب على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بمختلف الوسائل الفكرية والقضائية والأمنية، وذلك استمرارا للنهج السياسي الحكيم الذي تبنته المملكة في علاقاتها الخارجية.
كما عمل من خلال مشاركاته في المحافل البرلمانية المختلفة وعبر قنوات عدة على إيضاح خطورة قانون "جاستا" الصادر من الكونجرس الأميركي وما يشكله من تهديد واضح وصريح للمبادئ الثابتة في القانون الدولي، وأنه يتعارض مع أسس ومبادئ العلاقات الدولية ويتنافى مع قواعد القانون الدولي خاصة مبدأ الحصانة السيادية التي تتمتع بها جميع الدول. وفي ختام كلمته قدم شكره للمسؤولين في المجلس ولجميع الأعضاء في الدورة السابقة على ما بذلوه من جهود كبيرة، كما رحب بأعضاء المجلس في هذه الدورة الجديدة، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يديم على هذه البلاد المباركة وقادتها فضله وكرمه، وأن يحقق ما يصبو إليه الجميع من آمال وتطلعات.
الخطاب الملكي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بفضل الله نفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، سائلين الله سبحانه أن يوفقنا لخدمة الدين ثم الوطن والمواطن، مقدرا للمجلس أعماله وجهوده المشكورة، ومتمنيا لكم في دورته الجديدة التوفيق والسداد. لقد قامت دولتكم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسخرت إمكاناتها لحماية أمن الدولة والمجتمع، وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وتقديم أفضل الخدمات للمواطن، واليوم ـ ولله الحمد ـ تسير بلادكم بخطى راسخة، نحو التكيف مع المستجدات، والتعامل مع التحديات بإرادة صلبة لنحافظ على ما تحقق من إنجازات، وعلى مكانة المملكة بين الأمم، ودورها الفاعل إقليميا ودوليا.
مواجهة الغلو والتطرف
إن دولتكم دولة الإسلام، الدين القويم الذي نزل على رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، دين الوسطية والتسامح نعمل به، ونسعى لتطبيقه على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم، فهو قدوتنا ومثلنا الأعلى، وسوف نواجه كل من يدعو إلى التطرف والغلو امتثالا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قلبكم الغلو في الدين" وبنفس القدر سوف نواجه كل من يدعو إلى التفريط بالدين.
إعادة هيكلة الاقتصاد
إن سياستنا الداخلية تقوم على ركائز أساسية تتمثل في حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار والرخاء في بلادنا، وتنويع مصادر الدخل، ورفع إنتاجية المجتمع لتحقيق التنمية بما يلبي احتياجات الحاضر ويحفظ حق الأجيال القادمة، وكما تعلمون فإن العالم يمر بتقلبات اقتصادية شديدة عانت منها معظم دول العالم وأدت إلى ضعف بالنمو، وانخفاض في أسعار النفط. وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف وذلك من خلال اتخاذ إجراءات متنوعة لإعادة هيكلة الاقتصاد، قد يكون بعضها مؤلما مرحليا، إلا أنها تهدف إلى حماية اقتصاد بلادكم من مشاكل أسوأ فيما لو تأخرنا في ذلك.
ولقد مر على بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية ظروف مماثلة اضطرت فيها الدولة لتقليص نفقاتها، ولكنها خرجت منها- ولله الحمد- باقتصاد قوي ونمو متزايد ومستمر، وإصلاحاتنا الاقتصادية اليوم انطلقنا فيها من استشراف المستقبل، والاستعداد له في وقت مبكر قبل حدوث الأزمات، وخلال السنتين الماضيتين واجهنا تلك الظروف بإجراءات اقتصادية وإصلاحات هيكلية أعدنا فيها توزيع الموارد بالشكل العادل الذي يتيح فرصة نمو الاقتصاد وتوليد الوظائف، وتأتي رؤية المملكة 2030 في هذا السياق بهدف رفع أداء مؤسسات الدولة لغد أفضل ـ بإذن الله ـ ، ولتحقيق العيش الكريم لأبنائنا وبناتنا، ونحن متفائلون بذلك بحول الله وقوته.
الحل السياسي للأزمات الدولية
في مجال السياسة الخارجية سنستمر بالأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي، وتعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك، ونرى أن خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل لتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام، وبما يفسح المجال لتحقيق التنمية.
والجميع يدرك أن الدولة السعودية الأولى قامت منذ ما يقارب الثلاث مئة عام، وتلتها الدولة السعودية الثانية ومن ثم قامت الدولة السعودية الثالثة منذ قرابة المئة عام على يد الملك المؤسس عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ ، ومرت عليها ظروف صعبة وتهديدات كثيرة تخرج منها دائما بحمد الله أكثر صلابة وأقوى إرادة بتوفيق الله وعونه ثم بعزم رجالها وإرادتهم الصلبة، ولعل الظروف التي أحاطت بالمملكة وشقيقاتها دول الخليج في العقود القريبة الماضية خير مثال على ذلك، فقد استمرت فيها الحياة والنمو الاقتصادي على طبيعته. وهذه الظروف التي نمر بها حاليا ليست أصعب مما سبق، وسنتجاوزها إلى مستقبل أفضل وغد مشرق بإذن الله. أقول ذلك وكلي ثقة بالله ثم بأبناء هذا الوطن، ولن نسمح لكائن من كان من التنظيمات الإرهابية أو من يقف وراءها أن يستغل أبناء شعبنا لتحقيق أهداف مشبوهة في بلادنا أو في العالمين العربي والإسلامي، ورغم ما تمر به منطقتنا العربية من مآس وقتل وتهجير إلا أنني متفائل بغد أفضل، إن شاء الله.
أمن اليمن واستقرار المنطقة
بالنسبة لليمن الشقيق فنحن في المملكة العربية السعودية، نرى أن أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقرا أو ممرا لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها، ونأمل نجاح مساعي الأمم المتحدة في الوصول إلى حل سياسي باليمن وفقا لقرار مجلس الأمن رقم "2216"، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
مصالح الوطن والمواطنين
إن مجلسكم الموقر عليه مسؤوليات عظيمة تجاه الوطن والمواطنين، وإنني أطالبكم جميعا- كما ذكرت لكم بالأمس- أن تضعوا مصالح الوطن والمواطنين نصب أعينكم دائما، وإبداء المرئيات حيال ما تتضمنه تقارير الحكومة المعروضة على المجلس، والتشاور مع المسؤولين، وعلى المسؤولين في الجهات كافة التعاون مع المجلس، وتزويده بما يحتاجه من معلومات، متمنيا لكم التوفيق في عملكم الذي نعقد عليه آمالا كبيرة، ونحن على يقين بأنكم ـ إن شاء الله ـ أهل لذلك.
وفي خطابي الموزع عليكم استعراض لحاضر ومستقبل سياسة الدولة الداخلية والخارجية. أسأل الله أن يبارك في الجهود ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.