مشهد يثلج الصدر تناقله الناس قبل يومين، شاب يقف بثقة كبيرة، أمام جمع ضخم من الناس من مختلف الأعمار والهيئات والمناصب، ويعلن بصوت مرتفع "أعطيت لوجه الله"!
جاءت الوفود لتطلبه التنازل عن القصاص.. كان يستطيع الرفض.. ويطالب بالقصاص.. أو حتى يدخل المزاد فيعفو مقابل 20 أو 30 مليونا.. وله ذلك لو أراد.. لكنه نشد ما عند الله.. ولوجه الله، دون شرط أو قيد..
هناك قصص كثيرة مشابهة.. لا يتسع المجال لذكرها.. أناس عفوا عن خصومهم لوجه الله.. دون مزادات علنية، وبيع وشراء ومتاجرة بالدماء.. هل أجمل من عفو القادر!
فتّش في ذاكرة المجتمع، ومحركات البحث عن "حمود بن طوعان الشمري" الملقب بـ"شيخ العافين"، الذي عفا عن ابن جاره فور أن علم بقتله لابنه.. كتب عنه سليمان الفليح -رحمه الله- مقالا رائعا عام 1430.. وهناك آخرون لا تكفيهم مساحة العمود لو أردت سرد أسمائهم.
اليوم لا يحزنني شيء كخبر قصاص إنسان بسبب قتله إنسانا آخر دون ترصد أو غدر، بينما كان بيد ولي الدم أن يعفو لوجه الله.. والعفو في هذه الحالة خير من القصاص.
الحديث بعيدا عن القاتل المفسد، والجرائم البشعة القائمة على الغدر والخيانة والترصد، وبعيدا عن جرائم الغيلة التي يرفض فيها التنازل.. نحن نتحدث عن أناس موجودين في السجون، صدرت بحقهم أحكام قصاص؛ بسبب جرائم قتل ارتكبوها جراء حوادث طارئة أو مشاجرات عابرة..
مهم الإشارة لنقطة تتعلق بلجان العفو وإصلاح ذات البين.. الملاحظ هو التباين في حماس أعضاء هذه اللجان، ففي الوقت الذي نجحت نجاحا لافتا في مناطق معينة -مكة المكرمة وعسير أنموذجا- الأولى أعلنت العام الماضي أنها وفقت في تحقيق العفو في 314 قضية لمحكومين بالقصاص توافرت فيهم مسوغات التدخل بالعفو، نجد مناطق أخرى اكتفى أعضاؤها فيما يبدو بإضافة سطر للسيرة الذاتية!
الخلاصة: العفو عن المحكومين بالقصاص لوجه الله، فضيلة عظيمة، عظيمة جدا.. العقبة الوحيدة أنه لا يقدر عليها إلا الرجال الأفذاذ والعائلات الكريمة..
شكرا مرة أخرى للشاب الذي أعطى لوجه الله.. وضعوا الدنيا بين يديه، فتنازل دون قيد أو شرط.