حقيقة امتلاك القوات المسلحة السعودية ترسانة متطورة وعالية التقنية، حقيقة لا يستطيع المتابع في الداخل أو الخارج تجاهلها أو الاستهانة بثقلها في الشرق الأوسط. وعملية تطورها المستمر لا يفرضه فقط حجم وموقع المملكة، بل ونوعية التحديات التي تصاعدت مؤخرا، وأخذت تنمو بشكل متسارع في المنطقة.
والأمر الذي ربما لا يعرفه الكثير خارج هذا الوطن، بأن المملكة تملك أغلى وأثمن ترسانة بشرية من ذهب، تضرب جذورها وتتغلغل في أعماق أرضنا الصحراوية، متشعبة بصلابة في باطنها، تتغذى على الحب الجارف للوطن وأبنائه.
فحين أنعم الله على المملكة باحتضان الحرمين الشريفين، سخر لحمايتها أفراد شعبها، جنودا وقيادة.
فضرب سياج الوطن المتين من جنودنا الأوفياء، وما زالوا يضربون دروسا وأمثلة للشجاعة والثبات والتجلد، قُدمت في أوقات عصيبة، وتحت وابل من الرصاص، بنبل وأخلاق الكبار المشبعة بالحكمة والإيثار والتضحية. فالأشاوس لا يحاربون أو ينجون بأنفسهم فقط، بل لديهم تلك الشجاعة لتعريض أنفسهم للخطر لمساعدة بعضهم البعض.
وسلسلة الأعمال البطولية التي يخوضها أنبل الرجال في الحد الجنوبي تعجز الأقلام أحيانا عن تصويرها، كما حدثت تماما في الميدان، حين أخرجت بعض المواقف الصعبة أقوى وأجمل ما فيهم من إصرار وولاء وحب وسرعة تصرف وبديهة، من أصغرهم رتبة إلى أكبرها.
فحين تعرض مجموعة من حرس الحدود لهجوم من قناصة الحوثي، على إحدى النقاط الحدودية، أصيب من بينهم الجندي عادل صالح السليس في قدمه إصابة بسيطة فتجاهل إصابته، لأنه لاحظ بأن أحد زملائه تعرض لإصابة بليغة، فتصدى للموقف بحزم القائد، طالبا من بقية زملائه المصابين العودة إلى الخلف، ووقف بكل بسالة يمطر العدو برشاشه ليحمي ظهور زملائه، حتى عادوا جميعهم إلى مكان آمن تم فيه إسعاف المصابين، ليستشهد ببسالة، معتصرا قلوب رفاقه بحزن ملفوف بالفخر والشرف.
ولا يوجد مثل ذلك الموقف الذي تعرض له "ممدوح بن عبدالله العنزي" الجندي من فريق إسعاف القوات المسلحة، حين وطأت قدمه لغما مخفيا في الأرض، حين عاد أدراجه لأخذ حقيبة المسعف التي نسوها، بعد إسعاف أحد الجنود، فظل واقفا بكل ثبات فوق اللغم، حتى لا ينفجر، وربما يكون الكثير قد شاهد على وسائل التواصل صورته مبتسما واللغم تحت قدمه. فسارع زميله "ماجد بن عمران المطيري" بالاتصال بالمختصين بالألغام، حيث كان يتطلب حضورهم وقتا طويلا. وحين بدأ التعب يتملك من ممدوح طلب من زميله المطيري، أن يتركه ويغادر الموقع، فرفض ماجد أن يتركه وراءه، قائلا "تعيش.. أو نستشهد جميعا".
وفي لحظة شجاعة أخرى، قص ماجد، البسطار العسكري الذي كان يرتديه ممدوح من الخلف، مخاطرا بحياته لإنقاذه، وقام بالضغط على اللغم بيده، ووضع فوقه حجرا إلى أن استقر دون أن يهتز لخطورة الموقف، بل كان الأهم على نفسه، أن ينقذ زميله ممدوح الذي نجا بفضل من الله تعالى، ثم بموقف زميله الشجاع.
وفي حكاية بطولية أخرى، حدثت أثناء هدنة خرقها الحوثي، تسللت عناصر من الميليشيات ليلا إلى داخل حدود المملكة، وحاصرت مبنى، كان تتواجد به مجموعة من الجنود الذين ما إن شعروا بحركة الغدر تلك، حتى أرسلوا نداء لزملائهم في الخطوط الخلفية لإنقاذهم، قبل أن يقعوا أسرى، فركب رئيس رقباء "عياد السليمي الحربي" مدرعة، مع ضابط آخر وتمكن من تجاوز المتمردين، على الرغم من إطلاقهم وابلا من الرصاص على المدرعة أدى لتلف عجلاتها، فلم يتوقف إلى أن وصل إلى المبنى المحتجز به زملاؤه، وتمكن من إنقاذهم والخروج بهم إلى مكان آمن.
وربما ما فعله الملازم أول عبدالله سعد الشهري، يعد من التضحيات الكبيرة، حين ضرب بتفانيه المعني الحقيقي للإيثار، فحين تنبه لأعداد المقذوفات، التي كانت تُرمى من فوق الناقلة التي كان يستقلها، وعلى مقربة منها ناقلة أخرى يستقلها زملاؤه، حاول العودة للاتصال بهم وتحذيرهم، فسقط المقذوف على ناقلته، لتصيب الجزء الأيمن من جسده، بما في ذلك اليد والساق، فهرع إلى أعضاء الفريق الذي كان يقوده، ليطمئن زملاءه بأنه حي يرزق وبخير، ولم يكن يعرف وقتها بأن لحم ساقه لم يعد موجودا. وهذا ما تميز به أبطال الحد الجنوبي، الثبات والإيثار والتضحية. فحين كان يمارس الحوثي، تضليل أتباعه بمنحهم مفاتيح الجنة، وإيهامهم بانتصارات زائفة، واستخدام الأطفال بكل نذالة، كترسانة يحاربون من ورائها، كان الأشاوس النبلاء في الحد الجنوبي يسطرون انتصاراتهم بكل شجاعة ونُبل لا يحدثان كثيرا في ساحات القتال.
وتبقى هناك العديد من البطولات، التي لم ترو بعد، والتي دائما تبدأ بكلمة، إما النصر أو الشهادة.
نسألك اللهم الرحمة لشهدائنا الأبطال، وأن تكتب الأجر للجرحى والمصابين وتعجل لهم بالشفاء.