الدبلوماسي الهولندي مارسيل كوربرشوك صاحب كتاب البدوي الأخير وبطل الحلقات الجميلة "الرحالة الأخير" التي تقدمها قناة العربية، وتعيد فيها رحلته في بادية الجزيرة العربية ولقاء أصدقائه القدامى الذين التقاهم أول مرة في الثمانينات في بداية شغفه بالبداوة والبدو والصحراء.
يقول مارسيل إنه على استعداد للحديث عن البدو في أي مكان في العالم، وأن يكون سفيرا متحدثا عن ثقافتهم ولغتهم وشعرهم.
إن مشاهدة هذه الحلقات وتلك الضيافة والاحتفاء الذي حظي به مارسيل وأثرت به كثيرا لا أظنها فاجأت أي بدوي حتى لو كان مثلي ترك أجداده البداوة منذ عشرات السنين، لكنه بقي يتذكر هذه الروح التي تتقبل الإنسان أينما كان أو من أين كان، وترفض الانتقاص من البشر لأنه يجدها في تراث قومه وشعرهم وحكاياتهم التي تروى في مجالسهم.
يقول الدكتور حمزة المزيني من الأقوال الحكيمة في الثقافة البدوية قولهم: "كلّ ديرة فيها حقها مِن رجالها". وهي تنهى عن انتقاص الآخرين بالمقارنات المتعالِمة المتعالية.
من عادات البدو ألا يسألوا الشخص من أين هو أو حاجته قبل أن تنتهي ثلاثة أيام الضيافة، ولقد سألوا مارسيل بعدها عن ديرته ومن أين أتى فقال لهم حط الجدي على كتفك الأيمن وبعد 250 شدة تصل هولندا، حيث بادية الأبقار، فوصلت الفكرة إليهم وتصوروا موقعها البعيد، لكنه لا يذكر أبداً أنهم سألوه عن دينه أو عن معتقده.
يذكر مارسيل أيضا أن البدو يذكرون بحزن قصة خيانة أحد مرافقي الرحالة الغربيين له، وكيف قتله ولا ينسى أن ينوه مارسيل بأن هذا التصرف النادر يبغضه البدوي الذي نشأ على الشجاعة والصدق ونبذ الخيانة والغدر.
في الحلقات تذكر زوجة مارسيل أنه كان يرغب في تربية جمل عندهم في بيتهم في حي السفارات في الرياض، لكنهم لم يستطيعوا.
يقول مارسيل عن الجمل ولماذا يحبه البدو، إن الجمل كائن ذكي ويفهم الإنسان ويدرك المشاعر على كل حال، هناك الكثير من القصص التي يتناقلها البدو والتراث العربي القديم عن ذكاء الجمل حتى ظن الناس أنه مخلوق من الجن.
إدراك جمال الإبل وجمال الصحراء الذي شعر به هذا الهولندي القادم من بلاد الماء والخضرة يستوقفك، هل أدرك مارسيل روح الحرية التي تحتضنك بها الصحراء عندما تلتقيها، والخصوصية التي تهبها لك وأنت تجلس في قمة إحدى هضابها تطل على العالم بعيدا عنك.
يغني البدو ويجرون أصواتهم مع النسيم هاتفين للشعور والعاطفة، متباهين بالوجد والحب غير عابئين بالانتقاد متعجبين أن يحرم أحد ما الغناء وهو حياة النفوس.
يلتقي مارسيل في الحلقات بشاعرة بدوية على تل من الرمال وهي الشاعرة الجميلة حصة الهلالي، لتذكره بشاعرة بدوية أخرى يعرفها الجميع وهي موضي البرازية التي امتدحت مقاومة بدوي اسمه علي بن رمان التشدد والتزمت في الدين، والذي قرر أتباعه قص ضفائر هذا البدوي فقتلهم ردا على إهانتهم له، موضي الشاعرة البدوية هي أيضا كانت من أوائل من رفض التشدد وآمن بالغناء كحياة للروح، لكنهم اعتدوا عليها أيضا.
مارسيل قدم البدو كما هم أو كما كانوا قبلا دعاة حياة وفرح وغناء ونجدة وحب وتآلف.