بعد ترقب كبير لظهور المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون للإدلاء بما يسمى خطاب الاعتراف بالهزيمة، صعدت المرشحة الديمقراطية إلى المنصة بهدوء وثبات غير عاديين ومن خلفها زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي حظي بفترتين رئاسيتين، وبينما بدأ الجميع الإنصات إلى الخطاب بدأت كلينتون تلقي خطابا مرتجلا وغير متوقع لم تبد فيه الرضا عما سار عليه الأمر، بل اكتفت بالقبول الذي كانت تدعو منافسها ترمب إلى الالتزام به عند ظهور النتيجة، إضافة إلى أنها لم تقدم تهنئة لمنافسها الفائز وهو الأمر الذي يناقض العرف السائد بأهمية التهنئة. كان الخطاب يحمل رسائل مريبة ومعاني ملغمة بكلمات حادة أقل ما يقال عنها إنها تصعيد غريب ومثير للتكهنات.

هذا الحدث أعادني إلى حادثة قديمة حصلت في أميركا عام 1828 حينما حظي المرشح للرئاسة آندرو جاكسون بمعدل أعلى في التصويت الشعبي على منافسه جون كوينسي آدامز، ولكن الأمر في أميركا آنذاك كان يحسم في مجلس النواب، حيث فاز آدامز بتصويت مجلس النواب على جاكسون الحاصل على الأغلبية الشعبية! الآمر ذاته حصل في انتخابات هذا العام، حيث حصلت كلينتون على النسبة الأكبر في التصويت الشعبي، ولكنها تعرضت لهزيمة غير متوقعة في تصويت المجمع الانتخابي الذي يحسم اختيار الرئيس.

لنعد إلى عام 1828 بعد فوز آدامز لم تنته القصة عند هذا الحد، بل إن المرشح الخاسر جاكسون الحاصل على النسبة الشعبية الأعلى لم يهنأ له بال إلا بأن يعود مرة أخرى بعد أربع سنوات إلى سباق الرئاسة ليحقق الانتصار على منافسة الرئيس آدامز ويستعيد الفوز للوصول إلى المكتب البيضاوي.

كلينتون التي عرف عنها الإصرار بناء على الشواهد حينما رشحت نفسها عام 2007 في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ولكنها خسرت أمام منافسها باراك أوباما الذي ما لبث إلا أن عرض عليها منصب وزيرة الخارجية مقابل أن تحشد هي وزوجها الجهود لدعمه، عادت وبكل قوة مرة أخرى لتعيد الكرّة عام 2016، حيث نجحت في الوصول إلى التنافس النهائي، وهذا من غير المعتاد في الحزبين الكبيرين بأن يُرشح الخاسر مرة أخرى، ولكن كلينتون السيدة الأولى والسيناتور بمجلس الشيوخ ووزيرة الخارجية خلقت هذا الاستثناء لنفسها، والذي عبر عنه المحللون بأنه إثبات بأنها أقوى امرأة عرفتها الأمة الأميركية منذ اتحادها.

أخيرا، من المهم أن أنوّه بأن كلينتون في خطاباتها ما بعد الخسارة روّجت معلومات غير واضحة المعزى بأن نتيجة الانتخابات مفاجئة، وكشفت كمّ أن أميركا ظهرت منقسمة أكثر مما يعتقد الجميع، فهل تعود كلينتون للمنافسة في انتخابات 2020 لتنقذ الأمة المنقسمة – على حد تعبيرها؟.