قرأنا مؤخرا برقية عاجلة تنص على إيقاف نظام التعاون في الجامعات. قبل أن نتسرع في الإشادة أو التذمر من هذا القرار علينا أن نتذكر الأسباب التي دعت لنظام التعاون ابتداء، منها زيادة الشعب الدراسية كنتيجة للتوسع في القبول الجامعي عطفًا على عدد خريجي وخريجات الثانوية العامة، بالتزامن مع زيادة الأعباء الإدارية والتدريسية والبحثية على أعضاء هيئة التدريس. أكاد أجزم أن السؤال الذي يشغل رؤساء الأقسام حاليا هو (كيف سأغطي الجدول؟).

المتعاونون مع الجامعات فئة مؤهلة اضطروا للقبول بهذه الوظائف المؤقتة رغبة في ممارسة العمل الأكاديمي الذي يتقنونه ولا يجدون سبيلا إليه لمحدودية الوظائف المتاحة، كما أن الأقسام أيضا اضطرت لهذا النظام لأن المقررات متاحة للتسجيل، والجداول لا تزال بلا أسماء، والطلبة والطالبات لا بد أن يدرسوا.

والحديث عن نظام التعاون ذو شجون، فبعد الابتعاث والحصول على الشهادات العليا عدنا للوطن وبدأنا بارتياد أروقة الجامعات وتسليم صور شهاداتنا المختومة والمعتمدة من الملحقيات مع نسخ من سيرنا الذاتية المكتوبة بلغة إنجليزية منمّقة على ورق مصقول لمديرات مكاتب العميدات أو رئيسات الأقسام. المحظوظة منا تلقت اتصالا في بداية العام يطلب منها الحضور لمقابلة شخصية لغرض (التعاون). وهذا المسمى ابتداء غامض، فالتعاون عادة يكون بلا مقابل مادي أو هكذا تعلّمنا في مجتمعنا.

بعد تلك المكالمة تبدأ الرحلة بمقابلة شخصية مع احتمالية الرفض أو القبول. تستلم المقبولات بعدها جداولهن الدراسية المكونة من 16 ساعة للمعيدة كحد أقصى، 12 ساعة للمحاضر و10 ساعات لمن تحمل درجة الدكتوراه. وفي حال تساءلتم: "وهل يوجد متعاونات يحملن درجة الدكتوراه؟" فالجواب نعم يوجد.

غالبية المتعاونات في الجامعات تنحصر وظيفتهن بالتدريس أو الإشراف الميداني، وهذا ما تتقاضين عليه الأجر حسب النظام، أما ما يترتب على عملهن من أعباء أخرى تتعلق بجودة التدريس كالساعات المكتبية ووقت التحضير أو تصحيح الاختبارات الفصلية والنهائية، فهي جهود مذكورة ومشكورة، لكن غير مدفوعة. المتعاونات لا يشاركن في الأنشطة غير المنهجية إلا تطوعا، كما لا يسمح لهن نظاما بحضور الدورات التدريبية الموجهة لأعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهن، والتي تصب أصلا في مصلحة الطالبة وتجويد العملية التعليمية، لكن قد يترك ذلك لتقدير وكرم رئيسة القسم.

خلال أسابيع الفصل الدراسي قد لا تجد بعض المتعاونات في الكليات المكتظة مكتبا تضع أدواتها عليه أو تستقبل فيه أسئلة الطالبات أو تنهي فيه بعض أعمالها المتعلقة بالتدريس خلال ساعات انتظارها الطويلة في بعض الأيام، لأنها قد تدرس ساعة واحدة في محاضرة الثامنة صباحا ثم تقضي أربع ساعات في انتظار محاضرة أخرى مدتها ساعة واحدة تبدأ بعد صلاة الظهر، فتوزيع الجداول والمكاتب يراعي العضوات أولا كما هو متوقع لأنهن مكلفات بأعباء أخرى داخل الكليات من مهام إدارية وغير منهجية وإشراف وبحوث وتطوير وخلافه.

في نهاية الفصل الدراسي يتم الرفع بمستحقات المتعاونات المكافِئة لـ13 أسبوعا تدريسيا بعدد الساعات في كل أسبوع، وذلك بعد التأكد من تسليم سجل الدرجات وأوراق الاختبارات والنماذج الإضافية وكافة المهام الأخرى التي من ضمنها ملف المقرر وبقية الوثائق الخاصة بوكالة الجودة، وهذه كلها مرة أخرى أعباء مطلوبة وغير مدفوعة.

تستلم المتعاونة المحظوظة مستحقاتها خلال أسبوعي عمل بعد إنهاء أعمالها، لكن غير المحظوظات قد تنتظر إحداهن شهورا طوالا قبل استلام مستحقاتها، ويعود ذلك مرة أخرى لحرص ومتابعة الأقسام المعنية. قد تقضي بعض المتعاونات وقتا لا بأس به في اتصالات متكررة للإدارات المالية والإدارية لملاحقة مستحقاتها المالية التائهة، خصوصا في حال انتهاء تكليف رئيس قسم ما أو انتقال الوكيل/ الوكيلة من مهمة إدارية لأخرى في الجامعة أو غيرها.

ولأن لكل اجتهاد ثمرة، فقد يبتسم الحظ للمتميزات من المتعاونات ويتم استدعاؤهن لمقابلات التوظيف بعد أن يُطلَب منهن التقدم عبر القنوات الرسمية مع المتقدمات الأخريات، وقد يحصلن على وظيفة رسمية في الجامعة التي قضين معها فترة تجربة اسمها (نظام التعاون)، مع العلم أن التعاون لا يضمن الحصول على وظيفة رسمية لاحقا، وهذا ما يتم توضيحه للمتعاونات من اللقاء الأول.

أيضا فإن السنوات التي تقضيها المتعاونة مع الكلية لا يتم احتسابها في سنوات الخبرة عند التعيين، لأنها وظيفة بأجر مقطوع وعليه تعامل المتعاونة في الخدمة المدنية كزميلتها التي لم تعمل في الجامعة يوما واحدا. هذه بعض الحقائق حول التعاون في الأقسام النسائية ولا أظن الأقسام الرجالية تختلف كثيرا عنّا.

وعودا إلى سؤال البداية (كيف نغطّي الجداول) لا شك لدي في أن وزارة التعليم لم تتخذ هذا القرار إلا في ظل وجود حل خلّاق سيضمن تغطية الجداول بعدد القاعات التدريسية المتوافرة مع عدم تجاوز الأنصبة للأعضاء، كل بحسب درجته العلمية. بعبارة أخرى: سيتم تأمين التعليم المناسب لكل طالب جامعي وطالبة جامعية ممن هم على مقاعد الدراسة بالفعل، فلا داعي أبدا للقلق.