قمة خليجية استثنائية مقبلة يترقب الجميع ما ستسفر عنه من آليات جديدة لإدارة المرحلة المقبلة، في ظل تطورات عاصفة لظرف إقليمي وعالمي واقعه أقرب ما يكون إلى واقع المد البحري، يتطلب إجراءات إدارة أزمة، بعضها نعيشه بالفعل فيما يعتري خليجنا العربي من تحديات اقتصادية وسياسية، وبعضها يدق الأبواب في ظل المتغيرات العالمية الجديدة التي ينبغي أن نكون من القوة بمكان يجعل في مقدورنا مواجهتها.
فمن الواضح للجميع أننا مقبلون على منعطف جديد للسياسة العالمية، ستقول فيه القوة كلمتها، وستكون القوة، والقوة وحسب، هي لغة الخطاب بين الدول، لا أقول القوة العسكرية وحسب، مع أهميتها بل وضرورتها بالطبع، بل القوة الاقتصادية في الأساس، فالاقتصاد هو الطاقة الحيوية التي تعمل بها الأوطان.
وكم استبشرت خيرا بحديث ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمو الأمير محمد بن سلمان، ضمن كلمته التي ألقاها في بداية أعمال الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ عن أن دول مجلس التعاون الخليجي أمامها فرصة كـ"تكتل" في أن تكون سادس أكبر اقتصاد في العالم إذا عملت بالشكل الصحيح في الأعوام المقبلة.
وتأسيسا على حديث سمو ولي ولي العهد الذي من الواضح أنه يحمل إشارة كبيرة إلى الأدوات الجديدة التي ستدار بها المرحلة المقبلة، أقول إن شعوب دول مجلس التعاون، فضلا عن استشعارها للمخاطر التي تتربص بها والقوى الإقليمية المعادية التي تتحين الفرص لتنال من أمنها واستقرارها وتنقض على مقدرات بلادها، ما زالت مسكونة بحنينها القديم إلى الانصهار معا؛ طلبا لدفء الأسرة الخليجية، واستشعارا لوحدة المصير، في مقابل الخطر الذي يتربص بالجميع. هذا الحنين الذي وافته أول بارقة أمل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله- حين تحدث عن تطلعه إلى إقامة اتحاد خليجي، الأمر الذي كان موضع احتفاء واسع في المجتمعات الخليجية التي استبشرت خيرا بدخول عهد جديد من القوة والتماسك والتكتل الخليجي الذي ما من شك في قدرته على تلبية طموحات شعوب خليجنا العربي وحماية مقدراتها، وضمان المستقبل الآمن المكتنز رخاء لأجيالها.
وحديثي عن الحنين الذي يملأ قلوب الخليجيين إلى الالتقاء والانصهار في بوتقة واحدة ليس عسكريا ولا اقتصاديا وحسب، بل إنسانيا في المقام الأول، ليس ضربا من الخيال الحالم، بل حديث مؤسس على واقعنا الإنساني الذي نعيشه جميعا، فنحن أبناء محيط جغرافي واحد، قبائلنا واحدة، وعاداتنا واحدة، وديننا واحد، ولغتنا واحدة، وتاريخنا واحد، وحتي هندامنا (ملابسنا) واحدة. ويقيني أن هذه الحدود بين بلداننا لا ينبغي أن تضيع علينا فرصا كبرى لتحقيق النجاح والتطور والاكتمال.
إن الأمل منعقد على مؤتمر قادة مجلس التعاون الخليجي المقبل، هذا المجلس الذي مر على تأسيسه الآن ما يقارب الأربعين عاما، شهدت قرارات كبرى لمسها المواطن الخليجي، والآن عيون الجميع مسلطة على هذا الكيان الكبير الذي نلتقي تحته جميعا، تلك المظلة الكبرى التي تضم دول خليجنا العربي، أن ينطلق من مظلتها الحلم الكبير الذي طالما راود شعوب دولنا، حلم الجيش الخليجي الموحد، حلم العملة الخليجية الموحدة، حلم السوق الخليجية الموحدة، حلم الاتحاد الكونفدرالي، وغيرها من صيغ الانصهار والدمج والتكتل التي تجعل من خليجنا العربي نسيجا واحدا قادرا على حماية مصالحه، وعلى التكتل وراء ملفاته الكبرى وفي مواجهة التهديدات الجسيمة التي أصبحت تقض مضجع المواطن الخليجي، وتجعله يفقد الشعور بالأمان، الأمر الذي ينعكس في تسرب قدر غير يسير من رؤوس الأموال الخليجية إلى الخارج بحثا عن المياه الدافئة، والملاذات الآمنة، والاستثمارات المضمونة، ولا شك في أن هذا كله متوافر لدينا وأكثر، إذ يكفي أن بلادنا هي مواطن رؤوس الأموال هذه، فقط ينقص أصحابها التطمينات اللازمة، وإن كانت الأمور في طريقها إلى التحسن، والأوضاع آمنة، إلا أنه ليست هناك إشارة تبعث على الاطمئنان أكثر من الوحدة الخليجية التي من شأنها أن تقلب الدفة لصالحنا، وترجح كفة اقتصاداتنا في خيارات المستثمر الخليجي والأجنبي.
إنني متمسك جدا بجرعة التفاؤل والأمل العالية التي منحني إياها التصريح المهم لسمو ولي ولي العهد الأخير الذي أشرت إليه سابقا، ويقيني أنه لم يكن حديثا عارضا، أو أمنية عابرة، بقدر ما هو مشروع مستقبل قيد البحث الجاد، إن لم يكن قيد التنفيذ، لذا أرتقب معكم هذه القمة المقبلة التي أتعشم أنها ستكون مصيرية بالنسبة إلى شعوبنا، فلا يساورني أدنى شك في وعي قيادات بلداننا بتحديات الفترة الراهنة واستحقاقاتها، وامتلاكها الإرادة السياسية الكافية لمواكبة المستجدات الآتية في الطريق، سعيا إلى تحقيق هذه الأحلام المشروعة لشعوبنا، أحلام الوحدة والاكتمال والقوة ودفء الأسرة الخليجية، هذا فقط كفيل بأن يجعل أي قوة خارجية تفكر عشرات المرات قبل أن تقدم على الإضرار بمصالحنا، أو الاجتراء على مقدراتنا، والأمر الآخر أيضا أن هذا الاتحاد من شأنه أن يجعل من خليجنا العربي بقعة تتدفق عليها الاستثمارات العالمية للاستفادة من الظروف عالية الآمان التي سيضخون فيها أموالهم.