قبل أشهر نشر لقاء مع الدكتور فهد النعيم في صحيفة عكاظ ذكر فيه أنه غير راض عن علاقة الملحقية بالجامعات البريطانية. كان ذلك في بداية تكليفه بالملحقية الثقافية في بريطانيا.
في الحقيقة أنه كان يقصد أن تقوم الملحقية بمساندة الطالب في أخذ حقوقه كطالب من الجامعة، والمتعلقة بإشراف جيد وخدمات، وعلى الأقل بعض المميزات التي يحصل عليها طلاب يدفعون أقل منا بكثير ويحصلون على ما لا نحلم نحن بالحصول عليه، فبعضهم يحصل على أجهزة ومبلغ للطباعة يجده في بطاقته... إلخ.
ما قاله الدكتور التقاطة جيدة، ولقد التقيته بعدها، وأعتقد سواء بقي في الملحقية أو غادرها أنه من الأشخاص رفيعي المستوى في التعامل مع الطلاب، وأعتقد أنه لن ينسى أبداً لو رحل، وسيبقى في ذاكرة الطالب في بريطانيا كرجل غمرهم بلطفه وكرمه الأبوي.
عودة إلى ما ذكره هناك ما هو أخطر من الجوانب المادية، وأعني به الجانب الأكاديمي الذي تقدمه الجامعات، فالجامعات في الغرب تقوم بدور كبير في بناء شخصية الطالب، فإذا فتح صفحته في موقعها سيجد خانة إذا فتحها وجد جميع الدورات التدريبية وورش العمل واللقاءات، بدءا من دورات جميع برامج الكمبيوتر إلى دورات تطوير الذات والتفكير الإيجابي وإعداد البوسترات ونشر الأوراق العلمية، وكيف تدير سيمنارا... الخ.
يقدم هذه البرامج أساتذة الجامعة وأحيانا مشاهير السياسة والكتابة وعلماء النفس والاجتماع في العالم.
كل هذه الدورات بالمجان، بل يتلقى الطالب شهادة حضور من الجامعة لعلمها باحتياج الطلبة لـ"سي في" قوي عند التخرج، بل إن الجامعات تسمح للطلاب بإعداد المؤتمرات الخاصة بأقسامهم والإشراف عليها، وتمنحهم كل ثقتها لأداء ذلك.
فماذا تفعل الملحقيات السعودية، وبلا استثناء، تقوم بتشجيع طلاب مبتعثين على ترجمة الدورات ومن ثم تقديمها لزملائهم السعوديين، ثم يتم حجز قاعة ويجتمع السعوديون ويستمعون للدورات بالعربية ويحصلون على شهادات حضور.
بل هناك مؤتمر علمي غير معترف به يتم إعداده ويدفع فيه كذلك الملايين بنفس الغرض ونفس الهدف يحضره سعوديون ويوجه لسعوديين.
كما أنك إذا قرأت عزيزي القارئ تحت "بايو" طالب مبتعث في تويتر أنه رئيس الجمعية العلمية في جامعته فهو يقصد جمعية تتبع الملحقية وتتكون في جامعته من ثلاثة طلاب أو أربعة سعوديين.
هذه الجمعية هي أحد مظاهر الجيتو الأكاديمي السعودي في بريطانيا والموجود مثله في أميركا وأستراليا، والذي يعيش ويتكاثر بمعزل عن المجتمع العلمي حوله، والذي هو بلغة أخرى جامعة سعودية في الخارج.
لماذا يحدث ذلك، لماذا نخسر مرتين بدلاً أن نكسب؟ لماذا نشجع الطلاب على عدم التفاعل مع جامعاتهم وأنشطتها ونقدم لهم البديل الجاهز والمترجم، بل ندفع مبالغ ولدينا ما هو بالمجان وأكثر قيمة، من الصعب أن تجد إجابة عن هذا حتى لو بحثت عنه لدى الوزارة نفسها.
ربما تحتاج الوزارة لقراءة أهداف الابتعاث وتطلعاته عندها ستوصي ملحقياتها بحث الطلاب على الاندماج في برامج الجامعة، وتقتصر مساهمتها على الجانب الاجتماعي، كالاحتفال باليوم الوطني ورمضان والأعياد.
إن هؤلاء شباب صغار معظمهم يبحث عن مكان ووظيفة ونقطة ضوء، غالبهم يجهل الطريق الذي هو الآن اكتساب المعرفة وليس استعراضها.