يقال إن ذئبا كان يقف في أعلى الوادي قال لخروف يقف في أسفله: لقد عكّرت علي الماء! فقال الخروف: الماء يأتي من ناحيتك حيث تقف في الأعلى!، قال الذئب: لا أتحدث عن اليوم بل عن العام الماضي. فرد عليه الخروف: إنما ولدت قبل بضعة أشهر ولم أبلغ العام بعد! فقال الذئب: إنه أبوك إذن! فقال الخروف: إنما نحن غرباء ولم نأت هنا إلا منذ أيام! فقال الذئب مزمجرا: "هو كبشٌ من قومك!".
تحضرني هذه القصة مع تراث ضخم من قصص "الخرفان" وأنا أقرأ عنوانا في إحدى الصحف المحلية قبل عدة أيام عن عقوبات صارمة للذئاب التي تعتدي على الخرفان الوديعة، أو بشكل أوضح كما ورد في الخبر أن الشاب الذي يتعرض "للخرفنة" ويتقدم بشكوى إلى القاضي فإن "الذئبة" -أو عفوا المبتزة- قد تصل عقوبتها إلى السجن لمدة سنة والغرامة 500 ألف ريال. عبارة "الخرفنة" بالطبع مشتقة من "الخروف" في إشارة لتحول الرجل إلى "خروف" بقدرة ودهاء الذئب "الأنثى"، علما أن تحوله هذا حدث ويحدث وسيحدث دائما بملء إرادته وبكامل وعيه وقراره الذي لم يفرضه عليه أي "مخلوق" كان. ولكنه حينما يكتشف الحيلة، أو بشكل أدق: حينما لم تكتمل حلقة المنفعة التي يسعى لها من خنوعه، ولم يحصل على مراده -أيا كان من المرأة- الذي من أجله وافق على الخضوع المادي أو المعنوي لها، فإنه هنا يصبح "خروفا" يستحق الشفقة، والنصرة من المجتمع والأنظمة، وتطبيق أقصى العقوبات على أي جنس "حيوان" معتد تواطأ معه مسبقا.
وبرغم أن الخروف وضعفه وحماقته يحذر دائما منها في تراثنا، إلا أن بعض الشباب لا يتعظ ولا يسمع النصح ولا يستفيد من كل ذاك الزخم من القصص ذات الطابع "الخروفي"، فمنذ الصف الأول الابتدائي ندرس أطفالنا قصة "الخروف الأحمق" في مناهجنا الدراسية، ذاك الخروف الذي لا يبالي بنظام "القطيع" وينفصل عنه مرارا رغم تحذيرات الكبش الكبير وحرص الراعي، إلا أن الخروف بعناده يتعرض لهجوم الذئب حينما يصبح وحيدا!
كنا في الماضي أيضا نحن الفتيات نتلقى منذ سنوات بعيدة بشكل مكثف ويومي في مدارسنا وعبر مساجدنا ووسائل الإعلام المحدودة، نتلقى آلاف التسجيلات المسموعة والكتيبات والمواعظ التي تبدأ بعنوان مفزع: "احذري الذئب البشري"، ونشاهد هذا الذئب صاحب الوجه البشع والأنياب البارزة والملطخ بالدماء يقف على قدمين على أغلفة الكتب يرتدي شماغا وثوبا، فأصبح كل رجل نشاهده هو احتمال ذئب، وكل واحدة من نساء المجتمع هي مشروع "نعجة"، وتربينا، وما زال البعض يربي صغاره، على أن علاقاتنا في هذه الحياة ما هي إلا عبارة عن حياة بين قطيع من نعاج ومجموعة ذئاب، وعليهما أن يتعاركا لا أن يتعايشا معا، وأن تبقى –النعاج والخراف على السواء- ضمن حدود القطيع وإلا فهي مهدده بالهلاك!
التحول الذي حدث في ترتيب الشخصيات هو ما أثار الضجة حول ذلك الخبر في الصحيفة المحلية، وتبادل الأدوار من النعجة والذئب إلى الخروف والذئبة هو ما سبب تباينا لدى المتلقي بين السخرية من تفاصيل الخبر أو الغضب منه، علما أن ما تعنيه مفردة "خروف" وما يشتق منها من دلالات مختلفة شائعة جدا في أوساط الشباب والشابات، ومستخدمة بين أفراد المجتمع حتى استطاعت الوصول بسلاسة لعناوين الصحف، وأن يتم تداولها في الإعلام دون حرج، وبالتالي تطبيعها أكثر في أذهان المجتمع. لقد سخر الساخرون من انعكاس الصورة التي اعتادوها وأصبح الذئب يرتدي عباءة والخروف يقف بشماغه وثوبه أمام قاض يستجير به من غبائه المتعمد. أما الغاضبون فلأجل أن يهتم النظام بمعاقبة المبتزة ويرصد لأجل ذلك عقوبات مشددة وواضحة، بينما لا نجد بالمقابل أنظمة واضحة تحمي المرأة ولا عقوبات مشددة تطبق بحق المتحرشين بها أو المعتدين عليها أو المعنفين بأي أساليب العنف والتطاول. علما أنه في حالة "الخرفنة" هناك تواطؤ ورضا بين الخروف والذئبة أو الذئب والنعجة، بينما في التحرش والاعتداء والتطاول هناك طرف ظالم ومجرم وطرف هش وضعيف ينتظر من القانون أن يحميه ويقف بجانبه بشجاعة متوقعة.
كل من يرتكب جرما يستحق العقاب، وقوانين جرائم المعلومات تسعد أفراد أي مجتمع يرغبون بأن يكونوا ضمن مجتمع مدني متحضر قائم على الأنظمة المعتبرة والقوانين المرعية الصارمة التي تهدف لحماية المجتمع، والتي تشمل الجميع ولا تقف في صف فرد ضد الآخر، ولا تنتصر لجنس على آخر. على قوانيننا ألا تكون "كالراعي المصلوب" – مع بالغ احترامي للتراث المسيحي ورموزه- فإذا كان المجرم ذكرا تصبح مثله تنتظر عودة "الخروف الضال" وتغفر له زلاته وتنتصر له، بينما حينما تكون في الجُرم أنثى تصبح كالذئب في القصة أول المقال، وتقول مزمجرة وهي تصر على أن تلبسها الذنب عنوة: "هو كبشٌ من قومك"!