في الخبر الصادم الأول، إلى الغالية وزارة التخطيط: ماكينزي تنفي بوضوح أي علاقة لها بما كان ثابتا لدينا أنه مخطط الرؤية السعودية. وفي الخبر الثاني في نفس الأسبوع: مجموعة خبراء سعوديون يتقدمون للمحكمة الإدارية بشكوى ضد وزارة التخطيط لأن الوزارة قامت باستغلال ورقة عمل تقدم بها هؤلاء الخبراء ووضعتها في صلب الرؤية السعودية دون الإشارة إليهم ودون حصولهم على مستحقات حقوق الملكية الفكرية. وكل هذه المتناقضات الجوهرية تحدث بسبب الخطأ الفادح، وهو بكل وضوح: نقص الشفافية لدى الوزارة. هي الوزارة التي تفرجت لما يقرب من عامين على الأدبيات الهائلة في الإمبراطورية الإعلامية السعودية وهي تكتب عن "ماكينزي" دون أن تسعى إلى وقف هذا السيل من الكتابة بجملة واحدة تقول فيها: ماكينزي لا علاقة لها بالموضوع. إما أن الوزارة -الموقرة- لا تقرأ كل ما قاله مئات الاقتصاديين وخبراء التخطيط فيما مضى حول الرؤية وحول ماكينزي، وإما أنها تقرأ لكنها تتعامل مع آراء الجمهور على طريقة "حط في الخُرج"، وهذه أم الكوارث. وسأنقل لمعالي الوزير، مؤتمنا، رأي شرائح كبرى من "الأنتلجنسيا" السعودية من أنها تؤكد أن معاليه يجنح للعمل الفردي في الأفكار والمشاريع الكبرى منذ زمن الشرائح والنطاقات التاريخية في وزارة العمل وحتى هذه اللحظة. والحق، أننا أصبحنا أكثر قلقا وحيرة وصدمة بعد الخبرين الصادمين في رأس المقال، لأن الوطن الكبير الغالي أوسع من حارة وأكثف من أن نتعامل معه كجزء من فخذ قبيلة. كنت في أقل الأحوال سأثق في "ماكينزي" كبيت خبرة عالمي شهير، مهما قال عنها المئات من قادة الرأي وخبراء الاقتصاد والتخطيط، لكنها نفت أي علاقة، فيما ظلت الوزارة صامتة عن الإثبات أو النفي. لكن خشيتي اليوم، يا صاحب المعالي، تزداد وأنا أقرأ مجاميع خبراء الداخل، وأفرادهم أيضا، وهم يتسابقون إلى تأكيد أسبقية مقترحاتهم وأفكارهم في صياغة هذا المخطط الاقتصادي. ومثلما قرأت لهم، كانت الوزارة تقبل منهم فقرة وتشطب على الأخرى. تدعوهم أحيانا لشرح بعض نقاط الالتباس في أوراق عملهم التي تقدموا بها إلى الوزارة ثم تودعهم إلى لقاءات أخرى يحدث بعضها وبعضها لا يحدث. تسألني يا صاحب المعالي عن بواعث القلق في هذه الأخبار المتناقضة وهنا الجواب: أولاً، فلأنني دائما متوجس من الاجتهادات الفردية أو الجماعية فكيف يكون الأمر عندما يتعلق بمستقبل أمة وغد وطن. هؤلاء الخبراء يؤكدون أن ما كتبوه "موجود" في نشرات وزارتكم الموقرة. ثانياً وهو الأهم، أن التخطيط نفسه كنظرية به عشرات المدارس والأفكار المتضادة المتباينة، وأنا أخشى أن نكون قد ذهبنا إلى استشارة "مدرسة" وتركنا البقية، سأعطيك المثال: حين صدرت الدراسة الأميركية "أمة في خطر" عن واقع التعليم أحيلت الدراسة إلى مجموعة "هارفارد ريفيو" لإبداء الحلول. يومها ضجت عشرات المؤسسات التربوية الأميركية ضد الاختيار لأنه إحالة إلى مؤسسة تربوية تقليدية هي نفسها من أوصل تعليم الأمة الأميركية من قبل إلى حافة الخطر. وبعد عقدين من الزمن وجدت أميركا نفسها ولا زالت على هذه الحافة التي كتبتها الدراسة الشهيرة. انتهت رسالتي بانتهاء المساحة.