يتوقف الإنسان كثيرا عندما يصل إلى تمام عقد من عمره، خاصة مع تقدم العمر بنا، فالعشرون انطلاق للحياة، وترتبط الثلاثون بهواجس الزواج والأسرة والأبناء؛ خاصة حين يصل إليها من لم يكوّن أسرة بعد، وفي الأربعين سؤال ماذا حققت؟ وكم بقي من الوقت؟ وفي الخمسين مفارقة الشباب ومخاوف انسراب العمر..
ما بين العقدين لا يعني الكثير لنا كبشر عموما، وخاصة الشعراء الذين وقفوا عند أطلال العقود من ثمانين زهير، إلى أربعين نزار، إلى سبعين الدكتور غازي، إلى عشرين طرَفة، التي لم يجاوزها ليصل إلى الثلاثين!
ما الذي يقلق في وصول الإنسان إلى مرحلة من العمر؟ أهو أنه لم يستعد للتعايش معها بالتخطيط؟ أم لأن سؤال المستقبل مقسم بين سؤالين: هل سأدركه؟ وكيف ستكون الحياة وأكون معها؟
التخطيط يضمن وصولنا إلى المستقبل بأمان بإذن الله، المخططون لحياتهم هم الناجحون في نظرنا ونظر أنفسهم؛ لأنهم ببساطة يملكون الرؤية، وبالتالي خارطة الطريق.
لو أردت معرفة أين ستكون بعد عشرة أعوام فعد إلى الوراء عشرا وتأمل؛ قبل أن أسترسل أخبركم أني فعلت هذا الأمر، وتذكرت تلك اللحظة التي اتخذت فيها قرارا جريئا، علمني أن أحسن الاختيار في عتمة الطريق؛ وخدم خياراتي المستقبلية، وتعلمت أن في العودة إلى العشر السابقة ما يخدم العشر القادمة، ويخبرنا أين سنكون؟ وماذا سنقارب؟
هل سمعتم كيف تكلم الناجحون عن كل نجاح مهما كان صغيرا أو كبيرا؟ كان هناك هدف ببساطة واتجاه دقيق إليه، يشبه توجه المتدرب على الرماية لعين الهدف الذي يريد أن يصيب. فإن لم نحدد هدفا فلن نصل.. إحدى الطالبات أخبرتني أنها عادت إلى التعليم بعد انقطاع فاق العقد، لأنها أرادت تحقيق هدف، فتواصلت مع كاتب ومؤلف روائي تسأله كيف أصبح مؤلفة مثلك؟ وكان سؤالا قادها إلى أن تعود إلى التعليم الذي ظنت أنها كبرت عليه، وقادها إلى أن تنهي المرحلة الثانوية وتتجه للتعليم الجامعي. ومعها كانت الرغبة هدفا غير معروف الوجهة حتى عرفت ما تريده حقا، وفي الرغبة المعلنة رغبات كامنة في ممارسة حياة لم نكن نعي أننا نريدها بعينها!
لو عدنا إلى ربط النجاح بمرحلة عمرية ما لوجدنا أن هذا مستحيل، فقد ينجح الإنسان طفلا ويخفق شيخا، وقد يفتقد النجاح في شبابه ويناله في شيخوخته، وكما قد يكتب الأديب عملا ناجحا محلقا من أول محاولة، ثم يصاب بعد أن ذاق حلاوة النجاح بخوف الفشل الذي لم يخشه في عمله الأول. وقد يتراجع المخترع أمام عقبات تسجيل وحفظ حقوق اختراعه، فيميت جهده بيده!
هل يعقل أن يزرع الزارع ولا يسقي زرعه أو لا يحصده حين ينتج؟! وهل يصح أن يشتري التاجر بضاعة معدة للتسويق ولا يسوّقها؟! يحدث هذا كثيرا معنا للأسف، فننشغل بمشاريع وغايات، ثم نعجز عن إتمامها.
أحيانا الخوف من عدم الإنجاز يشلّ الإنسان عن الهدف، أو يشوّش عليه أهدافه، فعند البعض كل متغير جديد يعني تراجعا وتأخرا، والعكس عند آخرين كما رفضت مخترعات لا ضرر منها، وكما همش تراث على اعتبار أنها تمثل ضررا علينا أو قد تفعل، أو ربما تصادمنا حين حوّلنا أحلامنا إلى أرض الواقع مع أناس لا يجيدون إلا إفساد الأحلام، كمن يطبق البيروقراطية، فيرفض التطوير بحجة النظام وحيثياته.
والذي لا يتطور ويجمد هو كالماء الراكد يفسد بعد حين طال الزمان أو قصر.
من المطالبات لتسهيل تحقيق الأهداف في المؤسسات التحول إلى التقنية التي خدمت أعقد الأجهزة وأكثرها معاناة من العجز عن الإنجاز.
كثيرة هي الأفكار حول كيف نصوغ رؤانا بلا خوف وبوضوح، ومن أهمها التعاطي مع الفشل كمطبات عابرة لا نستطيع عبور الطريق إلا من فوقها، ولكنها لن توقفنا عن الطريق!
فهلّا فكرنا في العشر القادمة على كل مستوى دون خوف أو تردد أو استسلام، وأعدنا تصحيح وتقويم أهدافنا الخاصة قبل أهداف ورؤى غيرنا؟!