إذا أردت أن تأخذ ملفاً وأنت أحد المحامين فإنك تبحث عن قضية ذات مردود مادي تستطيع بعدها استخراج صك الملكية بعد مضي عشر سنوات تزيد أو تقل، والسبب في ذلك اجتهادات الأنظمة الحكومية التي تشرع نظاما ثم تنسُخه بعد حين بحجة المصلحة العامة أو ما تقتضيه الأنظمة والتعليمات، آخر ما سمعت وقرأت عن تحويل الأراضي الزراعية إلى أراض سكنية وفق ضوابط وشروط تم تعميمها عبر الصحافة السيارة ومواقع وزارة العدل والزراعة والبلديات، وهذا يعني أن كلاً منها يدعي وصلاً بليلى والتّائه في ذلك المحامي أو مالك الأرض، ومَن هو المختص من هذه الجهات الثلاث؟ ماذا تريد وزارة الزراعة وهي الجهة التي منحت الأرض أصلاً أو قامت بتخطيطها مع المالك أو حصل عليها بالشراء؟ وكذلك الأمانات تجتهد في تحديد نطاقها العمراني والحيز وحدود التنمية وكلها متاهات لا يعرف نهايتها إلا الشَّطار من هوامير العقار الذين فتحوا علاقاتهم ومُعقّبيهم، والنتائج بطيئة جداً في ملفات تخرج من القضاء إلى الدوائر الحكومية التي قامت مع كل أسف عبر لجان تأخذ سنة وسنتين لتَجتمع مرة واحدة، فإن حضر مندوب البلدية غاب مندوب الزراعة بحجة أنه مجاز أو في انتداب، والضحيُّة ذلك المحامي الذي تكفل بأنه بعد عشر سنين سيقوم باستخراج حجة الاستحكام لهذا التاجر أو غيره.
ممن أثبتت التقارير الصحافية وملفات وزارة العدل أنهم لا يتجاوزون نسبة 5% من ملاك المساحات الشاسعة في المملكة، وأن بعضها أعيد لملاك الدولة بعد ثبوت عدم شرعيتها والبقية في الطريق، ولهذا ضاعت أملاك الناس الحقيقيين والذين لديهم أوراق ثبوتية صادقة مصدقة من المراجع القضائية، إلا أن قرار المساحة الكبيرة حال دون أحقية أصحابها بحكم الأنظمة الصادرة بهذا الخصوص.
ولذا سأقترح في هذا الموضوع نقاطا قد تسهم مع الجهود المبذولة للتخفيف عن كاهل أصحاب الطلبات ومراجعي الدوائر الحكومية المختصة بهذا الأمر، اقترح إزاء هذا أن يكون هناك تنظيم يُعلن عنه للعموم بوجوب التقدم بطلب حجة الاستحكام على الأراضي والعقارات المملوكة بدون صكوك، وتكون فترة التقديم ثلاث سنوات بعدها لا يُسمح بإصدار أي حجة لكائن من كان، وتشكل في عموم مناطق المملكة لجان فنية ذات خبرة من جهات حكومية وأهلية لها الحق في الموافقة من عدمه، وتفحص الطلبات بحضور عضو من القضاء، وتقوم بالمسح والوصف وتطبيقه على الواقع وتقدم الرأي والمشورة، فإن كان العقار لا يتعارض مع التخطيط ولا يضر بالتنمية ولا معارض عليه يحال إلى كتابة العدل مباشرة لاستصدار صك الملكية، وإن وجد معارض أحيل إلى المحكمة للنظر والفصل فيه وفق القواعد الشرعية والأنظمة.
إن هذا التوجه قد يُضاف إلى جهود وزارة العدل مشكورة، الحريصة دوماً على إنهاء الحقوق وقيامها بتوحيد وجهة القرار لدى لجنة متخصصة في العدل وقاضي المحكمة ومندوب الأمانات فقط، بحكم التخطيط العمراني أصلاً لديهم دون غيرهم، أو إشراك الزراعة عندما تكون الأراضي زراعية قد منحت أصلاً من ذات الجهة، وبهذا نصل إلى تقليل مدة استخراج الصكوك ويفرح الهامور وملاك العقار، وأخيراً صاحب الدخل المتوسط الذي ملك عشرة آلاف يريد أن يقضي بها بقية حياته بعد التقاعد الذي سَيفرحُ به وزير الخدمة المدينة ويكون عبئاً ثقيلاً على مؤسسة التقاعد، لكنني أتوجه إلى الاقتراح الذي أضعه بين يدي أصحاب القرار والجهات ذات الكلمة الناقدة أعانهم الله وأعانكم أيها الملاك على الصبر والتحمّل، وشكري للجميع.