ها هو الموت يُغيّب وجها، هو واحد من أهم الوجوه السينمائية العربية، وجها ملأ الشاشات الصغيرة والكبيرة، قبل أن يملأ مساحات الوجدان العربي الصغيرة والكبيرة.

اعتدت على توديع كثير من مبدعي السينما العربية، بعبارات خاطفة بحسابي بتويتر، غير أن حالة محمود عبدالعزيز غير تماما، فلم أكتب حرفا عن رحيله الكبير قبل أيام وحتى هذا المقال.

الذي جعل من الكتابة عن محمود عبدالعزيز حالة معقدة في تصوري، هو الحالة المعقدة أصلاً في مسيرته الفنية الطويلة، إذ يتداخل في مسيرته الفني والسياسي والفكري، على مستوى مضمون الأعمال ومحتواها، كما يتداخل الكوميدي والتراجيدي والدرامي والفلسفي، على مستوى نوعية أدواره التي يقوم بها، ويعوم بها.

فتنة بصرية غير عادية أهداها لنا محمود عبدالعزيز في أفضل وأهم وأجمل أعماله مع المخرج داود عبدالسيد، في فيلمه "الكيت كات"، حيث يمارس الشيخ حسني الكفيف، كل ما يمكن أن يقوم به الإنسان المبصر، في تحدٍّ فلسفي صارخ لتجاوز العجز والفقر والضعف، من خلال سيمفونية إنسانية عميقة، نتذكر منها ذلك الأعمى وهو يغنّي ويدندن:

"درجن درجن

درجن درجن

ممكن تلقى الذيابه

لابسه فروة خروف

ممكن تلقى الغلابه

في أول الصفوف".

أهدانا كذلك محمود عبدالعزيز متعة فلسفية نادرة في فيلم الساحر مع رضوان الكاشف، وإمتاعا فنيا وطنيا وسياسيا عاليا من خلال عمل (رأفت الهجان)، إلى الحد الذي تمنى فيه كل من شاهد هذا العمل الرائع، أن يكون هو رأفت الهجان، بنضاله وجنونه وملامح وجهه العروبية، ففي سابقة تحدث لأول مرة نشر جهاز المخابرات العامة المصري نعيا في كبرى الصحف المصرية اعترافا بالتأثير الكبير الذي تركه ذلك المسلسل الوطني الرائع.

مقال واحد لا يكفي عن مسيرة محمود عبدالعزيز، خاصة إذا ما تذكرنا روائعه (القبطان) و(الكيف)، وعشرات الأعمال الفنية عالية القيمة.

المهم أن محمود عبدالعزيز ترك فراغا لا تملأه الوجوه ولا الأسماء، وهو فقيد الشاشة حقيقة لا مجازا، قبل أن يكون فقيد أسرته وجمهوره.

أحسن الله عزاء الشاشة في فقيدها.