انتشرت رسالة واتساب في قروبات في منطقة جازان، هذا نصها:

"أخبار مبشرة: بحمد الله وجه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة جازان وفقه الله بتشكيل لجنة من عدة جهات أمنية بمشاركة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجازان لمعالجة القضايا الأخلاقية الكبيرة والانفلات الحاصل بشكل يومي من قبل بعض ضعاف النفوس من الطلاب والطالبات وغيرهم في مجمّعيْ الراشد مول والكادي مول وقد باشرت اللجنة الأمنية مهامها منذ يوم الأحد الماضي 15/ 1/ 1438، علما أن اللجنة ترفع تقريرا بشكل يومي لسمو أمير المنطقة".

ما يعرفه الجميع أن توجيهات أمراء المناطق تنشر في الصحف، وليس في قروبات واتساب. هذه الرسالة تدعي صدور التوجيه وباسم الأمير والإمارة في محتوى خطير يمس سمعة الناس والأسواق والمنطقة. ويعرف الجميع أن الأمور الإعلامية المتعلقة بالإمارة تصدر عن الجهة الإعلامية بالإمارة، والتي حتى الآن لم يصدر عنها نفي ولا إثبات لمحتوى الرسالة، ولا نعلم هل اطلعت عليها أم لا؟.

"قضايا أخلاقية كبيرة، انفلات بشكل يومي"، هذه تعبيرات ليست سهلة ولا هيّنة، بل هي تشير إلى فساد أخلاقي يجعل أسواقنا في جازان بمثابة أوكار رذيلة.

سألت كثيرا من أبناء المنطقة عما شاهدوه في هذه الأسواق، فذكر بعضهم قضايا مثل: الكدش، المعاكسات، الترقيم، العباءات المزركشة، المهاوشات بين النساء، المطاردات بين الشباب والشابات في السوق.

فيما يخص تبادل الأرقام بين شخص وآخر هو عمل طبيعي ولا يمكن لأي تنظيم أو جهة أن تراقبه أو تمنعه، وكذلك الأمر بالنسبة للمغازلة فهي تتم بأكثر من وسيلة وفي الأسواق والبيوت وعبر وسائل التواصل، وهي سلوك لا يحد منه سوى الحياء والضمير الشخصي.

أما ظواهر قصات الشعر فهي أمر يحدده القبول الاجتماعي أو الرفض النظامي، وبالنسبة لمظاهر اللبس كالعباءات الملونة والمزركشة فلا أحد سيدعي أنها ممنوعة نظاما ولا أنها من القضايا الأخلاقية الكبيرة والانفلات اليومي. أما ما يتعلق بالمطاردات فلم أر في حياتي مطاردات في ممرات الأسواق بين الشباب والشابات، وهي مبالغة ممجوجة في وصف سلوكيات لا تعتبر قضايا أخلاقية كبيرة وانفلاتا يوميا.

هناك سلوكيات مرفوضة من الجميع كالتحرش، وهي أنواع ودرجات ولا يمكن ضبطها إلا بقانون، وللأسف فقد رفض مجلس الشورى إصدار مثل هذا القانون، وما زال هذا الرفض محل استغراب.

في جازان أسواق كثيرة مثل هايبر بندة والغروي والراية والدانوب، لكن الرسالة اختارت سوقين فقط هما الراشد مول وكادي مول، وذلك لقربهما من المجمع الأكاديمي للبنات التابع لجامعة جازان، ولهذا ركزت الرسالة على "ضعاف النفوس من الطلاب والطالبات" في محاولة لتشويه الجامعة نفسها ومطالبتها بما ليس لها علاقة به ولا نظام لديها يخولها بفعل شيء ضد ما تدعيه الرسالة. وهذا ضمن سياق هجوم دائم على الجامعة ومناشطها، ومحاولة السيطرة عليها من الخارج وتوجيهها ولو باستعداء السلطات عليها وتصوير الأمور بذلك الشكل العفن الذي يفوح من الرسالة الواتسابية التي لا بد أن صاحبها على صلة باستصدار التوجيه في حال كان صحيحا.

سمعة الناس والأسواق متضررة، وحسب علمي فهناك الآن من يقوم بإعداد عرض على الإمارة للنظر في الموضوع. إذ ليس من الممكن أن يسمح الناس هنا للخفافيش بأن يمكروا بسمعة بناتهم وأسواقهم وجامعتهم.

بقي شيء أخير، في حال صحة التوجيه، وبعيدا عن الصياغة الخبيثة، والتي نجزم أن لا علاقة لها بالإمارة، فعلى أي نظام قامت تلك اللجنة المذكورة، وعلى أي نظام ستعمل، وعلى أي لائحة ستستند في أداء مهامها؟! أم أنها ستتصرف خارج الأنظمة واللوائح التي تنظم حياة الناس في الأماكن العامة؟

إننا سنظن أن الجهات المعنية في الإمارة لا علم لديها عن هذه الرسالة، ونتوقع أن تصدر بيانا حول التوجيه المذكور وحول صياغة الرسالة ومن وراءها. فالإمارة كما نعلم لا تعمل شيئا ولا توجه بشيء يمس حياة الناس من وراء ستار، كما نعلم أن زمن النجاة من خطيئة المس بأعراض الناس وتشويه منشآتهم وسمعتهم قد انتهى، وصار الناس يعرفون حقوقهم كما يعرفون طريق المحاكم.