باسم رابطة القبيلة يجتمع خريجو وطلاب أعرق جامعة سعودية ثم يدعون قناة فضائية متخصصة في أخبار النوق وشعراء الرد لتغطية الحفل. باسم رابطة القبيلة يختتم خريجو أعرق جامعة سعودية مهرجان اللقاء بمساجلات الشعر النبطي بما فيه من الفخر الزائف ومفردات ـ حد السيف ـ والثأر واللطم. هذه هي جاهلية العقد الأخير من الزمن أن تصبح القبيلة رابطة الطبيب الجامعي بدلاً من أن يكون جناح المستشفى هو الرابطة. أن تصبح القبيلة للمهندس بديلاً عن المرسم وأن تصبح للكيميائي بديلا عن المعمل. أن ينتهي كل مشوار التعليم من الابتدائية حتى الجامعة بالاحتفال بمساجلة شعرية لخريجي الجامعة بدلاً من حوار البناء وطاولات النقاش وأفكار الخطوة إلى المستقبل. أن تعود ـ القبيلة ـ جذعة ـ أبطالها خريجو جامعة يعودون بنا ألف عام للوراء في مطلع الألفية الرقمية وفي قرن فكرة الإنسان الذكي. أن ينتهي حلم الإنجاز بشهادة الجامعة المرموقة إلى بناء عقلية القبيلة بدلاً من بناء وطن وإلى سبك قوافي الشعر العنصري بدلاً من حروب الأفكار وتضادها أو تلاقحها من أجل ساعة لا تعود مطلقاً حينما تذهب.

والقصة إما حالة من اثنتين: إما أن التعليم ومن ثم الجامعة قد فشلا في بناء رؤى معرفية وتربوية ترقى بالمتعلم عن هذا الإسفاف المخيف، وإما أن المجتمع يتعرض إلى غسيل ثقافي مبرمج كنا نظن أنه يستهدف العوام فإذا به يسقط خريج الجامعة في شراكه. وبالشواهد، فأي هشاشة ثقافية تقدمية هي تلك التي تجعل من بضع قنوات شعبية هابطة مستأثرة بالنصيب الأوفر من المتابعة والمشاهدة. أي هشاشة ثقافية أكبر من أن مجتمعاً طاغياً يستمع ويقرأ في بعض هذه القنوات الفضائية عن شراء بضع من النوق بخمسين مليون ريال ثم يتناقل هذا الخبر بكل السذاجة العفوية رغم أن الطبيعي الاعتيادي أن تكون الناقة نصف طن من اللحوم بأربعين ريالاً للكيلو جرام الواحد. القصة أكثر من اشتباه قد يخطئ أو يصيب بغسل أموال، بل إنها غسل عقول تهدف أن تحيل المجتمع إلى دور رعاية للإعاقة الذهنية. تهدف تحويلنا إلى روابط لا علاقة لها بالوطن والغد والمستقبل، بل إلى روابط النوق والمزاين والمساجلات وشعراء الرد بدلاً من روابط المعمل والمختبر والعيادة والفصل والقاعة وهذه هي البراهين: عشر نوق بخمسين مليونا بدلاً من تأسيس شركة تبدأ بطائرتين، ورابطة قبيلة تبدأ بخريجي جامعة تكون فيها هذه القبيلة قدوة على طريق بقية القبائل.