خلال بضع السنوات الماضية أظهرت إدارة الرئيس باراك أوباما مرونة مع طهران لم يكن النظام الإيراني يحلم بها، ومن ذلك التوصّل إلى الاتفاق النووي، غضّ الطّرف عن السلوك العدواني الإيراني في المنطقة، ونجاح البعض في إقناع الإدارة الأميركية بأن للتعامل مع الحالة الإيرانية خيارَين لا ثالث لهما: إما الحرب، وإما الاتفاق النووي والانفتاح على طهران.

لقد توغل عدد من الإيرانيين داخل الإدارة الأميركية أو الأشخاص المقرّبين منها، وروّجوا للنظام الإيراني بعد وصول حسن روحاني إلى منصب رئيس الجمهورية في إيران. ولقد كتبتُ شخصيا عديدا من المقالات حول هذا الموضوع، ولا حاجة إلى تكرار ذلك مجدّدا هنا.

كانت الانتخابات الأميركية الأخيرة معركة جديدة للوبي الإيراني والمنتفعين من نظام الملالي في واشنطن، فاعتمادا على تصريحات المرشّحين خلال الحملة الانتخابية كان "أحباب إيران" قلقين من المرشَّحَين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، وإن كان بدرجات مختلفة، واتضح تفضيلهم كلينتون على ترامب، أملًا منهم في الاستمرار في مسار أوباما وإدارته، ولو بدرجة أقل.

على سبيل المثال، في ليلة الانتخابات وعندما كان الإعلام يتحدث عن تقدُّم كلينتون على ترامب، غرّد تريتا بارسي، رئيس المجلس الوطني الأميركي الإيراني وأبرز رموز اللوبي الإيراني في واشنطن قائلا: "ما وراء مستقبَل الجمهورية، الليلة سوف نرى إن كان معارضو الاتفاق النووي في الكونجرس سيعاقَبون ويجرّدون من وظائفهم".

وبعد إعلان نتائج الانتخابات وتأكّد وصول ترامب إلى البيت الأبيض زادت حالة توتّر تريتا بارسي، وشن هجوما عنيفا على أعضاء الكونجرس الأميركي الذين عبّروا عن اعتراضهم على الاتفاق النووي، أو لديهم مواقف من النظام الإيراني، في محاولة للبحث عن نقطة إيجابية بعد اكتساح الجمهوريين الكونجرس ومجلس الشيوخ ووصولهم إلى البيت الأبيض مجدّدا، فغرد بالتالي:

"يا لفرحتي! القوة الدافعة للحرب والمعارض للاتفاق النووي مارك كيرك فقد للتوّ مقعده في مجلس الشيوخ، انتصر لوبي السلام. الحرب سياسة سيئة"، من جانب آخر غرّدَت باحثة أميركية عُرفت بتلقي دعم مالي من إيران وتُوصف في الأوساط البحثية في واشنطن بأنها إيرانية أكثر من الإيرانيين أنفسهم، بحالة من اليأس: "سامحنا أيها العالَم (على انتخاب ترامب)".

بعد ذلك حاولوا العودة إلى تصريحات ترامب وتفسيرها بطريقة أقل قسوة، وكان من بين من شارك في النقاش على "تويتر" أعضاء في الفريق الأميركي بالمفاوضات النووية، فأكدوا أن ترامب لم يقُل إنه سوف يمزّق الاتفاق النووي، بل سيعيد النظر فيه ويتأكد من تطبيقه. وغرّد تريتا بارسي قائلا: "أخبرني مصدر مطّلع خلال حديث أوباما وترامب أنه أوضح لترامب أهمية الحفاظ على اتفاق سليم مع إيران".

من جانبه، أصدر المجلس الوطني الأميركي الإيراني بيانا حول نتائج الانتخابات قال فيه: "الاتفاق النووي الإيراني في خطر مُحدِق، ونحن مدينون بعضنا لبعض، ولأجيال المستقبل أيضا، لضمان أن السياسات الراديكالية لم تُسَنّ لاستهداف الأقليات أو لإزالة الاتفاق النووي الإيراني وبدء حرب كارثية". وأضاف المجلس في بيانه: "نحن -كمنظمة ذات سجل حافل وكمجتمع حيوي- على استعداد لتعبئة واستخدام كل الموارد المتاحة لحماية تلك الحقوق والمصالح.

المخاطر التي تواجهنا الآن هي أصعب من أي وقت مضى، وعلى كلٍّ منا أن يؤدِّي دوره، وأن يكون مستعدًّا أيضًا لرفع جاهزيته. تأسست (الناياك) في أعقاب أحداث 11 من سبتمبر عندما كان الإيرانيون محتجَزين في الولايات المتحدة بسبب أصولهم. وكان أساس إنشائها وجود صوت لمشاركة حكومتنا، لأننا دون صوت لا نستطيع حماية حقوقنا".

وأما رئيس اللوبي الإيراني فقد عاد مجددا بعد قرابة أسبوع من فوز ترامب وكتب مقالا في مجلة "السياسة الخارجية" (Foreign Policy) بدا فيه كأنه استجمع بعض قواه وحاول التحذير من عواقب أي انسحاب غربي من الاتفاق النووي، إذ قال إنه "لا يمكن للولايات المتحدة وحدها أن تُبطِل أو تعدّل الاتفاقية دون انتهاك للقانون الدولي، وأي جهد يُبذَل لتعطيل الاتفاقية أو حتى إعادة التفاوض عليها سوف يعزل الولايات المتحدة لا إيران". وأضاف بارسي أنه "يُحتمل وجود حلقة مفرغة تعمل ضدّ أنصار الاتفاق مع إيران، وإن خسر روحاني الانتخابات فسوف تخسر الاتفاقية أحد الأطراف الداعمة بقوة للاتفاق النووي الذي يضمن التزام طهران بهذا الاتفاق. وحتى لو كان غياب الفاعلية عن تخفيف العقوبات لا يؤثّر على إعادة انتخاب روحاني، فهناك احتمال متزايد أن تسعى طهران للخروج من الاتفاق كلما كانت القيود المفروضة على الاتفاق النووي لا تتيح الدفاع عنه سياسيا".

ولمزيد من الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة والتأثير على الرأي العامّ الأميركي شدد بارسي على أن إدارة أوباما نجحت إلى حدّ ما في تشكيل تحالف قويّ ضدّ إيران بعد إقناع المجتمع الدولي بأن إيران كانت على خطأ بعدم تعاونها مع الغرب بشأن البرنامج النووي، لكن في الوقت الحالي ليست إيران مَن يسعى إلى تفكيك الاتفاق أو إعادة التفاوض عليه، من وجهة نظره، بل ترامب والحزب الجمهوري. ومجدّدا حاول التسويق لأهمية إيران في ملفّات عِدّة من بينها مكافحة الإرهاب، فقال: "إذا كانت أولويته هي هزيمة (الدولة الإسلامية) في المنطقة، فإنه لن يحتاج إلى روسيا وإيران وحسب، بل سوف يحتاج أيضا إلى الحفاظ على الاتفاق النووي لتجنب تدهور العلاقات مع طهران التي حتما ستؤثر على القتال ضدّ الجماعة المتطرفة".

من المتوقّع أن فريق "ناياك" الذي يقوده حاليا تريتا بارسي سوف يضعف وينكمش خلال فترة الجمهوريين، وقد تحدث تغييرات حقيقية وجذرية في إدارة المجلس وعضويته، ويعود إلى الأميركيين من أصول إيرانية، لا كما هو حاليا يختطفه سويدي من أصول إيرانية، تنظر إليه الجالية الإيرانية في أميركا على أنه عميل لحكومة الملالي في طهران، ورُفِعَت عليه عدة قضايا بسبب ذلك، وعلى علاقة وطيدة بوزير الخارجية الإيراني.