في الساعة التاسعة صباحا أستقبل الصحف التي تصل إلى مكتبي، أقرأ العناوين بحذر وأقرأ العديد من المقالات بتطلع ونزوة وعدم ادعاء أنني من الممكن أن أفهم الكثير، فكل شيء أمامي قابل للمعرفة، وقابل لإعادة رصد الحقائق من جديد، وكان أن أدهشني أن إحدى الصحف نشرت هذا الخبر على صدر صفحتها الأولى، وقد جاء بعنوان "جولات تفتيش لمنع غياب الموظفين بسبب مباراة السعودية واليابان"، وكانت المباراة قد جرت الثلاثاء في الساعة الواحدة وخمس وثلاثين دقيقة. في بادئ الأمر أنا ضد جولات التفتيش والرقابة التي يكون سببها مناسبة كروية، وكأننا في مدرسة الخامسة والخمسون، حيث ينهزم الأمل المرجوّ من قيم الثقة بين المسؤولين والموظفين، حتى وإن قاموا بذلك فعلا وقام عدد منهم بالتسرب من العمل لمشاهدة المباراة، وهو ما يقوم به العديد من الموظفين ليس فقط لمشاهدة مباريات المنتخب، وإنما إذا كان لفريقه مباراة مصيرية، فيقوم بعض الموظفين بافتعال عدد من الأمراض أو الإصابات، حتى يذهب إلى الاستراحة ومتابعة مشاهدة كرة القدم!

يفترض أن مسؤول القسم أو المدير الأعلى، هو من يفوض إليه الأمر، ولا أظن أن الجولات لا بد أن تحدث فقط لأن هناك مباراة، الجولات التفتيشية لا بد أن تكون بشكل مفاجئ، ولمصلحة الموظف والعميل أيضا، هناك أيضا معلومة لا أعرف لماذا يتجاهلها البعض من المراقبين الذين يترصدون للموظفين "الغلابة"، أنه لا بد أن تكون هناك جولات تفتيشية لحقوق الموظفين المنهوبة من قبل المسؤولين والإداريين الذين يجدون لذة في عدم مكافأة موظفيهم بشكل جيد على أعمالهم، أو معاملتهم بأسوأ معاملة نفسية من أجل "تطفيش" الموظفين وإحلال موظفين آخرين من قبيلة المسؤول. الخبر بالنسبة لي استفزازي، يشعرك بفضول لمسح الغبار عن ذاكرتك، حيث مراهقتك البعيدة وصياح المعلمات بفرح وكأنهن حصلن على غنيمة حرب، وهن يقلن بصوت ملؤه الانتهاز وسحق حقوق الإنسان "بناااات...تفتيش مفاجئ"، ويجدن في حقائبنا أمشاط الشعر أو عطورا أو قطعا من اللبان، ويتم التحفظ عليها وكتابة تعهد بعد قرص الخد والأذن وأحيانا ضربة على جانب الرأس!

الآن الطالبات يذهبن إلى المدرسة بمكياج كامل، وبعطور فواحة. تخبرني إحدى المعلمات بأن أفضل ما قامت به وزارة التعليم عدم التشدد في مسألة العطور، لأنهن بتنا يشتممن رائحة زكية بدلا من رائحة العرق!

ما يهمني الآن، أن تنشر صحفنا ذات صباح، أخبارا تتعلق بجولات تفتيشية يحاسب فيها أي مسؤول يبقي الموظف خمس سنوات دون ترقية، وعليه أن يجرى معه تحقيق وإلزامه برفع المستندات التي توضح أسباب عدم منح الموظف الترقية. لهذا على المرأة في السعودية أن تشعر بأنها ليست الوحيدة التي تواجه مشكلة العضل من ولي أمرها في زواجها، فهناك العديد من الموظفين من الرجال يواجهون العضل من رؤسائهم في الحصول على حقوقهم، أعانهم الله عليهم، وبالتأكيد أشعر بالسعادة الكبرى بالخبر الذي حسمت فيه المادة التاسعة عشرة من مدونة قواعد السلوك الوظيفي، وأخلاقيات الوظيفة العامة، التي أقرها مجلس الوزراء مؤخرا، بمسألة تعارض المصالح وتوظيف الأقارب حتى الدرجة الرابعة، معتبرة عدم الإفصاح عن ذلك فسادا، حيث شرعت هيئة مكافحة الفساد وجهات رقابية أخرى، في التحقيق في توظيف الأقارب في عدد من الجامعات والمصالح الحكومية، ويعني ذلك -أعزائي القراء- أننا بدأنا نحقق إنجازات جيدة، وعلينا بتحقيق ما هو أهم من ذلك، وهو الدفاع عن حقوق الموظفين من تسلط المديرين والمسؤولين الذين تعميهم الغيرة والسلوك العدواني تجاه موظفيهم.

أما الخبر الآخر الذي لم أكن أتخيل أنني أكتب عنه يوماً، لكني تشجعت بعد أن كتب زميلي الأستاذ خالد السليمان سطرا واحدا عن "الفاشينستا" التي قامت بحلق حاجبيها أمام متابعيها، لا أعرف كيف حدد السليمان هوية عمل الفتاة، لأنني حتى الآن لا أعرف ما المسمى الذي يمكنني أن أسميه لهذه الفتاة، فأنا لا أعرف إذا ما كانت "فاشينستا" أو أن مهمتها التصوير مع المشاهير، أو البكاء أمام المتابعين عبر "السناب شات" بسبب فيلم هندي، تصلني مقتطفات من الفيديوهات التي تقوم بتصويرها، وأتجاهل الأمر لأنني لم أفهم بعد هويتها، عملها، توجهاتها، لكن أن يقوم أحدهم بحلاقة حاجبيه بماكينة أمام المتابعين، فأنا أجد هذا الأمر هو بالفعل ما يمكن لنا أن نسميه كما سماه السليمان بجنون الشهرة.

لا يتصور البعض حجم اشتياق البعض للشهرة كما هو اشتياق الجائع إلى الخبز، لا يمكن أن تتخيل عزيزي القارئ كيف يلهث البعض بجنون ساحق تجاه الشهرة، بل يعاني من أجل أن تكون الأضواء مسلطة عليه، ثمة سلوكيات غريبة وعجيبة، ولا بد أن تقام دراسة على مثل هذه النوعية، إنهم على استعداد للقيام بما هو ضد السلوك العقائدي والقواعد الأخلاقية فقط، من أجل الوصول ولو لبقعة ضئيلة من الشهرة، طالما أن الناس ستظل تتحدث عنهم!