في السابق كنا نردد عبارة الإعلام النزيه. والآن وقد انتفت هذه التسمية تماما بعد أن أصبحت الساحة تضج بوسائل إعلامية ضخمة تمتهن الكذب والتدليس، وتنصر الظالم وتدعمه في عدوانه وتصفيته للأبرياء والعزل نعاود البحث عن صفات أخرى ربما بقي منها النظافة والرقي في الطرح، وذلك بعد أن تبنت بعض القنوات لغة الإسفاف التي لا تحترم مشاهديها ولا تراعي الذوق العام فيما تطرحه، فقد تسمع مذيع نشرة أخبار يسب ويشتم سياسيا أو إعلاميا آخر لمجرد اختلاف في وجهات النظر، وقد تقرأ أو تشاهد في وسائل إعلام دولة ما، كمية وافرة من الشتائم والاستهزاء بسياسيي وإعلاميي دولة أخرى نتيجة توتر بسيط بينهما يمكن أن ينتهي في أي لحظة، غير أن إعلام البلدين صعد الأمر، وإن لم يكن السياسيون أعداء فمواطنو تلك الدول ودون تفكير أو روية أعداء حتى النخاع!
ولأن للإعلام تأثيرا قويا على توجهات الجماهير ومواقفهم، فيجب أن تكون هناك سلطة ضابطة لمن يستغله بغرض الإضرار والتشويه، وهناك فرق كبير بين المصداقية والطرح الجاد لمشاكل العامة وبين سرد الأكاذيب لمجرد التأليب، بين فترة وأخرى نشهد الحروب الإعلامية غير النظيفة والتي ينجرف معها الجمهور لتبدأ فصول من المشاحنات فيما بينهم والتعصب لآراء ومبادئ أطراف عن أخرى، وفي النهاية ينقلب الحال ويتحد الصوت الإعلامي بينما تظل نبرة العدائية تسيطر على الشارع، بل قد يتطور الأمر إلى التشابك بالأيدي ثم إلى استخدام السلاح الأبيض، وهذا ما حصل إبان اشتعال الثورات العربية وانقسام العامة إلى فسطاطين.
وفي وقتنا الحالي والتوترات الاقتصادية والسياسية تشتعل من وقت لآخر، يظل الإعلام هو المسيطر على توجهات الجماهير، دون أن يكون هناك وعي بمدى مصداقية الحملات الإعلامية الموجهة التي تخدم هدفا محددا سياسيا أو اقتصاديا، ولا يهم الآثار المدمرة التي قد تخلفها هذه الحملات، الأهم تحقيق غاياتها المخفية أو المعلنة. في السابق كان الإعلام الرسمي هو المسيطر، ورغم عيوبه إلا أن هناك ضوابط يتم التقيد بها، لعل أهمها التهذيب في اللفظ، وفي عصر الثورات الإعلامية الآن أصبح بإمكان حتى المواطن العادي الذي لا يملك الثقافة ولا الخبرة فتح قناة تلفزيونية أو إذاعية أو حتى عبر اليوتيوب، ثم ينشر عبر الأثير ما يحلو له دون رقابة أو وازع ديني أو أخلاقي!