ليس أجمل من مدينته الصغيرة والقرى المحيطة بها، سوى حديثه عنها، ورغبته الدفينة بالعودة، والعيش فيها!
هجرة أم هجران؟ سألته فأجاب: صراعات ليست لها نهاية، على مزارع بعضها أراضٍ معطلة وميتة، وبعضها معلقة في الجبال.. قطيعة رحم وصراعات وتنافر ودماء وأرقاب معلقة.. ولم أُرد أن أورث أبنائي هذه الأحقاد والضغائن؛ فآثرت النزوح لهذه المدينة الكبيرة!
تركته وأنا على يقين تام أن هناك حالات مشابهة كثيرة بعضها استطاع النفاذ، والبعض الآخر وجد نفسه أسيرا، أو جزءا من صراعات لا يقبلها العقل ولا المنطق.. أشغلوا أجهزة القضاء.. أشغلوا إمارات المناطق.. امتلأت بهم السجون، انتهت حياة كثير منهم بشكل مأساوي!
طالبت قبل سنوات بوضع حد لهذه الصراعات بدلا من ترك المتخاصمين يحتكمون لقانون الغاب، يقتلون بعضهم بعضا، وبالعدد كما يحدث في بعض الحالات، قتلانا ثلاثة وقتلاكم أربعة، ولا بد من التساوي!
لابد من وضع حد لملف الأراضي والمزارع المتنازع عليها في القرى والأرياف.. إن لم يتم الاتفاق تتم مصادرة الأرض بقوة النظام، وإحالتها لـ"وقف" تشرف عليه إمارة المنطقة، يصرف من ريعه على الأيتام والمعاقين.. ذاك أفضل من أن يتم تعطيل هذه الأرض، سنوات طويلة بسبب نزاعات يتوارثها الأجيال ويدفعون ثمنها..
المضحك المبكي أن بعض الأراضي التي ذهب الكثيرون ضحية لها، عبارة عن مجموعة أمتار في سفح جبل.. وكما يقول صاحبنا: "حينما توضح لهم ذلك، وتطالبهم بالعقل والتعقل، يسخرون منك، ويطالبون بالصمت، فأنت دجاجة صقعاء؛ لا تبيض ولا يؤكل لحمها"!
قبل أن أودعه قال لي بسخرية سوداء: "وليت هالصراعات على أرض في كورنيش الخبر، أو في أبحر الجنوبية"!