أحد أهم الكوابيس التي تعانيها الموظفة السعودية أن يختفي سائقها في زحام الرياض أو جدة. يعرف السائقون ذلك جيدا، لذا هم يرتبون وصلة شكوى يبدؤونها كل صباح بانتقاد سلوك الزوج الذي مر بهم ولم يلق السلام، أو حارس المدرسة الذي يختلف مع السائق كل يوم.

بالطبع هي تقف دائما مع هذا السائق ضد الدنيا كلها وبما فيها زوجها، فهذا السائق هو فقط من لا يعوضه شيء وبدونه ستضطر لأن تعود إلى رياضة قفز الحواجز، أعني الأرصفة، وإقناع سائقي الأجرة بنقلها إلى بيتها في وقت الظهيرة التي هي غالبا وقت عودتهم إلى بيوتهم.

لا أحد يعرف الإذلال التي تتعرض له الموظفة السعودية لإبقاء هذا السائق راضيا بالبقاء معها. لذا قبل النوم لو خطر لها خاطر صغير بأنه غاضب فسترى كابوسا تقع فيه من قمة إفريست على رأسها تماما. لكنها أيضا تحلم بأشياء جميلة.. أن تستيقظ صباحا وتفرش أسنانها بيد وباليد الأخرى تسحب صغيرها إلى دورة المياه ليستيقظ وتعد حليب الصباح وهي تصرخ في ابنتها الكبرى لأن تساعد أخاها في إيجاد ملابس الرياضة، ثم تلمهما معا في سيارتها التي لا بد أن رائحتها فيها بقايا عطرها وليس رائحة زيت راجو المفضل.

تقف في صف السيارات التي تقودها الأمهات وتراقب ابنتها وهي تدخل المدرسة ثم تغادر إلى روضة الصغير.

السيارة تبدو هادئة بعد ضجيج الأطفال.. تفكر لحظة كيف كانت تخاف عندما كان السائق يصر على إيصالها أولا. سحابة من الرعب تمر برأسها من فكرة أنه ربما مس جسد صغيرها.. ترمي الفكرة السخيفة نحو الماضي الذي لم تكن تستطيع قيادة السيارة فيه. تشيح بيدها ثم تمدها لتحصل على فنجان قهوتها من محل القهوة وهي تتطلع نحو الساعة. بقي لديها ربع ساعة قبل العمل ولا تريد التفكير بماض مؤلم ومؤذ انتهى إلى غير رجعة.

عند الإشارة كان شخص على يمينها ينظر نحوها بحنق بالغ، ضحكت في داخلها.. إنه يشبه ذلك الذي كان ينشد "لن تقودي إلا خارج حدودي"، وتتساءل: هل كان بينهم وبين النساء ثأر "بايت"؟! لذا كان كل ذلك الأذى الذي يتجاهلون فيه أنهم كانوا يعرضونها للجلوس مع السائق والشيطان ثالثهما.

تنظر إلى البوستر الصغير الذي ألصقه زوجها قريبا من نظرها وعليه شعار شركة تدفع لها مبلغا بسيطا مقابل إسعافها بسيارة أخرى في حال تعطلت سيارتها في الطريق. تذكرت أن هذه الشركة كانت في بريطانيا عندما كانت تعيش، حيث كانت تدفع 11 باوندا شهريا لتحصل على هذه الخدمة في ظرف دقائق.

في لحظة ما شعرت باهتزاز أدخل الرعب في قلبها وجعلها تطلق صرخة عنيفة لتجد نفسها على سريرها وجوالها يرن تحت جانبها الأيمن. كان اسم السائق يضيء لترتسم ملامح الخيبة على وجهها وهي تسمع صوته يقول "مدام أنا خلاص ما يبغى شغل زوج أنتي مافي كويس وبزورة إنتي مافي كويس"، ليأتي صوتها خاضعا ذليلا "راجو الله يخليك زوجي سأتطلق منه وسأتبرأ من أطفالي، لكن أرجوك لا ترحل".