لا يمكن مطلقا وضع "سلوم القبايل" في سلة واحدة.. وهذا ما فعله أحد الزملاء، الذين ربما لديهم موقف ثقافي من القبيلة، ككيان ضارب تستطيل جذوره في باطن المجتمع.. فذهب للبحث عن بعض العادات والتقاليد التي يرفضها كثير من أبناء القبائل أنفسهم، وعدّها عينة لما سواها!

الزميل العزيز اعتسف توجيها حكيما لسمو الأمير خالد الفيصل - أمير منطقة مكة المكرمة - يطلب أخذ تعهدات خطية على شيوخ القبائل والمعرفين بعدم حل ما يقع من خلافات ونزاعات بين أفراد القبيلة من خلال هذه الأحكام والأعراف القبلية، والامتثال للشرع والقانون لحلها، وعدم تجاهل هذا الأمر مستقبلا.. وأنه - وفقا لتوجيه الأمير - سيتم وضع شروط وقوانين جزائية صارمة لمنع حدوث هذه الظاهرة، وتطبيق النظام بحق من يخالف ذلك، من خلال اعتماده على الأعراف القبلية.

الزميل قال تعليقا على ذلك أن "سلوم القبائل" "قيدت المجتمع وحبست حركته بالرضوخ طواعية أو كرها فتأخر المجتمع وتم اختطافه بتلك العادات"!.. وهذا غير صحيح على إطلاقه.. كثير من عادات القبائل اليوم بمثابة قوانين اجتماعية ضابطة للممارسات العامة.. وحاضنة لكثير من القيم العربية الأصيلة.. حتى مع إشراقة نور الإسلام لم يقم نبينا - عليه الصلاة والسلام - بطمس عادات قبائل العرب، أو السخرية منها، بل قال "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

نعم هناك عادات غير ملائمة للعصر، ومنها ما هو سلبي، ومنها ما لا يرتكز على أسس قيمية؛ لكن "القبيلة" ذاتها كأحد أهم وأبرز مكونات المجتمع منذ التأسيس وحتى عصرنا الحاضر، متجددة في عاداتها وأعرافها.. حيث أعادت قراءتها، ومارست النقد والمراجعة الداخلية، وقطعت أشواطا في ذلك، ونجحت إلى حد كبير في تجاوز كثير من العادات.

ولا أعلم حقيقة كيف يتم بهذه السهولة تجاهل عادات قبلية متوارثة، تكتب بماء الذهب كالكرم، وحق الضيف، وحق الجار والإحسان إليه، فضلا عن إغاثة الملهوف والمستجير، بل حتى آداب الولائم العامة هي بمثابة قانون "إتيكيت عالمي"؛ لصرامتها وقيودها!

قد نقبل التفكير الناقد وفق معايير معينة، لكن كيف يمكن قبول نسف كل هذا الموروث الجميل بجرّة قلم!

تقول القاعدة الربانية العظيمة: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".